ابتكر باحثون طريقة مبتكرة لتحويل نفايات الطعام إلى وقود طائرات مستدام يفي بمواصفات الصناعة دون الحاجة إلى مزجه بوقود أحفوري. هذه التقنية الجديدة، التي كشف عنها فريق بحثي في دراسة حديثة، قد تدعم بشكل كبير جهود قطاع الطيران للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتقديم حل واعد لمشكلة التخلص من النفايات العضوية.
نُشرت نتائج الدراسة في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وتوضح كيف يمكن لهذه العملية الكيميائية المكونة من ثلاث خطوات أن تحول النفايات الغذائية إلى وقود طيران عالي الجودة. تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه قطاع الطيران ضغوطًا متزايدة لتقليل انبعاثات الكربون، بينما تتراكم كميات هائلة من النفايات الغذائية في جميع أنحاء العالم.
ترقية النفايات الغذائية إلى وقود طائرات مستدام
تعتمد التقنية الجديدة على تحويل نفايات الطعام إلى ما يسمى بـ “النفط الحيوي” من خلال عملية التحلل الحراري المائي. هذه العملية تستخدم الحرارة والضغط لتحويل الكتلة الحيوية الرطبة مباشرة إلى زيت، على غرار كيفية تكون النفط في باطن الأرض ولكن في غضون ساعات قليلة.
بعد ذلك، يتم تنقية النفط الحيوي لإزالة الشوائب مثل الرطوبة والرماد والأملاح. ثم يخضع الزيت لعملية تسمى المعالجة الهيدروجينية التحفيزية، والتي تزيل العناصر غير المرغوب فيها مثل النيتروجين والأكسجين والكبريت، تاركةً الهيدروكربونات الضرورية لإنتاج وقود الطائرات.
عملية التحلل الحراري المائي
التحلل الحراري المائي هو عملية كيميائية حرارية تستخدم الماء في درجات حرارة وضغوط عالية لتحويل المواد العضوية إلى زيت حيوي وغازات. تعتبر هذه العملية أكثر كفاءة من الطرق التقليدية لأنها لا تتطلب تجفيف الكتلة الحيوية أولاً، مما يقلل من استهلاك الطاقة والتكاليف.
نتائج الاختبارات
أظهرت الاختبارات أن الوقود المنتج اجتاز جميع معايير الجمعية الأمريكية لاختبار المواد (ASTM) والهيئة الفدرالية للطيران (FAA) لوقود الطائرات التقليدي، دون الحاجة إلى أي إضافات أو مزج مع وقود أحفوري. هذه النتيجة مهمة بشكل خاص لأن العديد من أنواع الوقود الحيوي الأخرى تتطلب نسب مزج محدودة مع الكيروسين الأحفوري.
تقول الدكتورة سابرينا سامرز، المؤلفة الرئيسية للدراسة وباحثة في جامعة إلينوي، إن الهدف هو “ترقية النفط الحيوي إلى وقود نقل يدخل مباشرة في البنية التحتية الحالية دون تعديلات”. وتضيف أن هذه التقنية يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من المخلفات العضوية، بما في ذلك حمأة الصرف الصحي والطحالب وروث الخنازير.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه التقنية في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من مكبات النفايات ومحطات المعالجة، حيث أن تحلل النفايات العضوية ينتج الميثان، وهو غاز دفيء قوي. كما أنها توفر فرصة لتحويل الأزمات البيئية، مثل ازدهار الطحالب، إلى موارد طاقة قيمة.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من النتائج الواعدة، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها قبل أن تتمكن هذه التقنية من أن تصبح قابلة للتطبيق على نطاق واسع. تشمل هذه التحديات الحاجة إلى خفض تكاليف الإنتاج وزيادة كفاءة العملية وتطوير البنية التحتية اللازمة لجمع ومعالجة النفايات الغذائية.
ومع ذلك، يرى الباحثون أن هذه التقنية لديها القدرة على أن تلعب دورًا مهمًا في تحقيق أهداف الاستدامة في قطاع الطيران. ويخطط الفريق الآن للعمل مع الشركاء الصناعيين لتوسيع نطاق العملية وتقييم جدواها الاقتصادية. من المتوقع أن يتم بناء مصنع تجريبي في غضون عامين لاختبار التقنية في بيئة واقعية.
في الختام، يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة لقطاع الطيران. مع استمرار البحث والتطوير، يمكن أن تصبح الوقود الحيوي المصنوع من نفايات الطعام بديلاً قابلاً للتطبيق للوقود الأحفوري، مما يقلل من الانبعاثات ويساهم في مكافحة تغير المناخ. من المهم مراقبة التقدم المحرز في هذا المجال وتطور السياسات الحكومية التي تدعم إنتاج واستخدام الوقود المستدام.


