في عام 2025، شهد سعر الذهب أداءً استثنائياً، متجاوزاً كل التوقعات بتحقيقه أكثر من 50 مستوى قياسياً جديداً. هذا الارتفاع لم يكن مجرد تقلب عابر في الأسواق، بل كان انعكاساً لتغيرات جيوسياسية واقتصادية عميقة، بالإضافة إلى تحولات في سياسات البنوك المركزية والمستثمرين. ارتفع سعر الأوقية الواحدة إلى حوالي 4381 دولاراً، مقارنة بـ 2626.60 دولاراً في بداية العام، مما يجعله أحد أفضل الأعوام أداءً للذهب منذ عام 1971، وفقاً لمجلس الذهب العالمي. هذا المقال سيتناول بالتفصيل العوامل التي دفعت سعر الذهب إلى هذا الارتفاع، وتحليل التوقعات المستقبلية لأدائه في عام 2026.

العوامل المحركة لارتفاع سعر الذهب في 2025

لم يكن ارتفاع سعر الذهب نتيجة عامل واحد، بل تضافرت عدة عوامل لخلق هذه الظاهرة. على الرغم من أن خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي ساهم في هذا الارتفاع، إلا أن المحللين يؤكدون أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير.

مصطفى فهمي، الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات في شركة فورتريس للاستثمار، يوضح أن الذهب شهد بالفعل ارتفاعاً كبيراً بنسبة 40-45% قبل أن تبدأ البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة. العامل الرئيسي الآخر كان الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل/نيسان، والتي أدت إلى زعزعة الاستقرار في النظام التجاري العالمي. الاتفاقات التجارية اللاحقة، وإن كانت تهدف إلى تهدئة التوترات، إلا أنها أثارت مخاوف جديدة في الأسواق، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة، وعلى رأسها الذهب.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت التوترات الجيوسياسية دوراً حاسماً، خاصةً الحرب في غزة وتداعياتها الإقليمية، واستمرار الحرب في أوكرانيا. هذه الأحداث زادت من حالة عدم اليقين العالمي، مما عزز الطلب على الذهب كمخزن للقيمة. كما أن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة والضغوط الاقتصادية في أوروبا ساهمت في زيادة جاذبية الذهب.

نظرة على أداء الاقتصاد العالمي وتأثيرها على الذهب

تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى نمو اقتصادي متواضع للاقتصادات المتقدمة، حيث يتوقع نمواً بنسبة 1.6% في عامي 2025 و2026. أما بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، فيتوقع الصندوق نمواً بنسبة 2% في 2025 و2.1% في 2026. في حين أن منطقة اليورو من المتوقع أن تشهد نمواً أبطأ، بنسبتي 1.2% و1.1% على التوالي.

هذا النمو الاقتصادي المتباطئ، بالإضافة إلى استمرار التضخم، يخلق بيئة مواتية لارتفاع سعر الذهب. ففي أوقات عدم اليقين الاقتصادي، يميل المستثمرون إلى البحث عن أصول آمنة تحافظ على قيمتها، والذهب يعتبر تقليدياً أحد هذه الأصول.

توقعات أداء الذهب في عام 2026: سيناريوهات محتملة

يتوقع مجلس الذهب العالمي أن يكون عام 2026 عاماً حاسماً بالنسبة لأداء الذهب، مع وجود أربعة سيناريوهات رئيسية محتملة:

  • السيناريو الأول: استقرار معتدل: إذا بقيت المؤشرات الاقتصادية العالمية ضمن نطاقها المعتدل، مع تراجع محدود في أسعار الفائدة وتحسن تدريجي في التضخم، فقد يشهد سعر الذهب تحركات محدودة، مع احتمال ارتفاع أو انخفاض بنسبة 5% فقط.
  • السيناريو الثاني: تباطؤ اقتصادي محدود: في حالة حدوث تباطؤ اقتصادي طفيف أو تراجع في شهية المخاطرة لدى المستثمرين، قد يعود الذهب إلى صدارة الملاذات الآمنة، مما يدعم ارتفاعه بنسبة 5-15%، مدعوماً بتراجع الدولار وسياسات نقدية أكثر مرونة.
  • السيناريو الثالث: تراجع اقتصادي عميق: إذا انزلق الاقتصاد العالمي نحو تراجع أعمق وتصاعدت التوترات الجيوسياسية، فقد يشهد الذهب مكاسب كبيرة تتراوح بين 15-30%، مع زيادة الطلب عليه كملاذ آمن وتخفيف السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية.
  • السيناريو الرابع: انتعاش اقتصادي قوي: في حالة حدوث انتعاش اقتصادي واسع وعودة معدلات النمو إلى مستويات أعلى، قد يواجه الذهب ضغوطاً هبوطية تتراوح بين 5-20%، مع ارتفاع قوة الدولار وجاذبية الأصول المدرة للدخل.

هل حان وقت شراء أم بيع الذهب؟

بالنسبة للمستثمرين، فإن السؤال الأهم هو: هل يجب شراء الذهب الآن أم بيعه؟ وليد فقهاء، محلل الأسواق المالية، يرى أن القرار يعتمد على الهدف الاستثماري.

بالنسبة للمستثمرين الاستراتيجيين (طويلي الأجل)، يمثل سعر الذهب الحالي فرصة جيدة للشراء، خاصةً مع استمرار العوامل التي تدعم ارتفاعه. أما بالنسبة للمستثمرين قصيري الأجل، فقد يكون من الأفضل جني الأرباح في الوقت الحالي، مع توقع تراجعات محتملة في بداية عام 2026، للاستفادة من الارتفاعات السابقة.

يتوقع فقهاء أن يتراجع سعر الذهب إلى حوالي 3800 دولاراً في نهاية عام 2025، مما قد يمثل فرصة للمضاربين للشراء قبل أن يعاود الذهب الصعود من جديد. ومع ذلك، يجب على المستثمرين مراقبة التطورات الجيوسياسية والاقتصادية عن كثب، واتخاذ قراراتهم بناءً على تحليل دقيق للوضع.

بالإضافة إلى ذلك، يجب مراقبة طلب البنوك المركزية واتجاهات إعادة تدوير الذهب، حيث أن هذه العوامل يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سعر الذهب في عام 2026. مع استمرار التضخم وضعف الدولار والتوترات الجيوسياسية، لا يزال هناك حديث عن سيناريوهات صعودية قد تدفع سعر الأوقية الواحدة إلى 5000 دولار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version