دمشق – خطوة تاريخية نحو إعادة إعمار قطاع الكهرباء في سوريا، أعلن وزير المالية يسر برنية عن توقيع الوثيقة الأخيرة الخاصة بمشروع إصلاح خطوط الربط الكهربائي مع البنك الدولي. يمثل هذا المشروع، الأول من نوعه منذ حوالي أربعين عامًا، نقطة تحول مهمة في دعم الاقتصاد الوطني السوري، الذي عانى طويلًا من نقص حاد في الطاقة. وتأتي هذه الخطوة في ظل جهود متسارعة لتحسين البنية التحتية المتضررة ورفع مستوى الخدمات للمواطنين.

مشروع البنك الدولي: منحة لدعم الكهرباء السورية

المشروع ممول بمنحة سخية تبلغ 146 مليون دولار أمريكي، وهو ما أكده وزير المالية برنية، مؤكدًا أنه ليس قرضًا سيضيف إلى أعباء الديون على الدولة. هذه المنحة ستوجه بشكل مباشر لدعم جهود وزارة الطاقة السورية في تحسين توفير الكهرباء، وزيادة ساعات التغذية الكهربائية، وإعادة تأهيل الشبكات المتضررة. من المتوقع أن يؤدي المشروع إلى تأثير إيجابي كبير على مختلف القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة بشكل أساسي.

مشاريع إضافية قيد التحضير مع البنك الدولي

لا يتوقف التعاون بين سوريا والبنك الدولي عند هذا المشروع فقط. كشف وزير المالية عن وجود مشاريع أخرى قيد التحضير في قطاعات متنوعة، وهي أيضًا ممولة عبر منح غير مستردة. من المقرر الإعلان عن تفاصيل هذه المشاريع خلال العام المقبل، مما يعكس تزايد الثقة في الاقتصاد السوري والتزام المؤسسات الدولية بدعمه. هذه التطورات تبشر بمستقبل أفضل للاستثمار والتنمية في البلاد.

إصلاح قطاع الكهرباء: حاجة ملحة

يعتبر قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات تضررًا في سوريا، بسبب سنوات الحرب والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية. وقد أصدرت وزارة الطاقة السورية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرارات جديدة بشأن تعرفة الكهرباء، تهدف إلى إصلاح الشبكة ومحو آثار الدمار. هذه القرارات، وإن كانت تتطلب بعض التعديلات، تعتبر خطوة ضرورية نحو استدامة القطاع وتحسين جودته.

أسباب تدهور القطاع الكهربائي و دور المنحة

في حديث مع الجزيرة نت، أوضح المستشار الأول في وزارة الاقتصاد السورية، الدكتور أسامة قاضي، أن قطاع الكهرباء السوري عانى من تخريب ممنهج خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أن عناصر من النظام السابق بالتعاون مع الشبيحة قاموا بقطع أسلاك الكهرباء بهدف الاستفادة من النحاس، مما أدى إلى حرمان قرى كاملة من الكهرباء. ولذلك، فإن المنحة المقدمة من البنك الدولي ستساهم بشكل كبير في إصلاح شبكة توزيع الكهرباء، وتعويض النقص الذي حدث، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

تجاوز العقوبات و فتح آفاق جديدة

أكد الدكتور قاضي أن البنك الدولي يمكنه تقديم المساعدة لسوريا حتى في ظل بقاء بعض قوانين العقوبات سارية، مستشهدًا بتجربة الأمم المتحدة التي واصلت تقديم المساعدات على الرغم من القيود المفروضة. وأعرب عن أمله في أن تنتهي العقوبات بشكل كامل، خاصةً بعد التصريحات الأخيرة لمسؤولين أمريكيين بشأن إزالة هذه العقوبات. ويتوقع أن يساهم ذلك في ربط البنك المركزي السوري بجميع بنوك العالم عبر نظام “سويفت”، مما سيسهل المعاملات المالية والتجارية.

تحسن ملحوظ في الوضع الكهربائي

أظهرت الأرقام والإحصائيات تحسنًا ملحوظًا في الوضع الكهربائي في سوريا خلال الأشهر الأخيرة. وأفاد الدكتور قاضي بأن الكهرباء اليوم أفضل بمئة ضعف مما كانت عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث يحصل كل بيت سوري تقريبًا على تغذية كهربائية تتراوح بين 14 و20 ساعة يوميًا، وذلك بعد أن كانت التغذية لا تتجاوز ساعة واحدة في اليوم قبل ذلك. هذا التحسن يعكس فعالية الجهود المبذولة في إصلاح القطاع وزيادة الإنتاج.

مشاريع الطاقة والربط الإقليمي

الحكومة السورية تعمل على إطلاق مشاريع مختلفة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، بما في ذلك محطات غازية وشمسية بطاقة تصل إلى 5000 ميغاواط. بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقيات دولية بقيمة 7 مليارات دولار مع شركات من قطر وتركيا والولايات المتحدة، واتفاق لتزويد سوريا بالغاز عبر الأردن. تهدف هذه المشاريع إلى تنويع مصادر الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتقليل الفاقد في الشبكة.

دور خطوط الربط في تحقيق الاستقرار

يعتبر مشروع إصلاح خطوط الربط الكهربائي، الذي يدعمه البنك الدولي، من أهم المشاريع في هذا المجال. وأوضح الخبير في الطاقة وقطاع الكهرباء محمد شاهر أن هذا المشروع يمثل خطوة حاسمة نحو إعادة تأهيل خطوط النقل عالية الجهد، بما في ذلك خطوط الربط مع الأردن وتركيا. وسيعزز ذلك الإمداد الكهربائي، ويقلل الفاقد، وينعكس إيجابًا على التعافي الاقتصادي والظروف المعيشية. إصلاح قطاع الكهرباء هو مفتاح التنمية المستدامة.

التحديات والفرص المستقبلية

على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال قطاع الكهرباء السوري يواجه العديد من التحديات، بما في ذلك العقوبات الدولية، ونقص الاستثمارات، والصعوبات في الحصول على التمويل. مشروع الكهرباء الجديد هو بداية واعدة. ومع ذلك، هناك أيضًا العديد من الفرص المستقبلية، بما في ذلك التعاون مع الدول الصديقة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. التمويل الدولي يلعب دورًا هامًا في التغلب على هذه التحديات.

في الختام، يمثل توقيع وثيقة مشروع إصلاح خطوط الربط الكهربائي مع البنك الدولي علامة فارقة في مسيرة إعادة إعمار سوريا. هذا المشروع، بالإضافة إلى المشاريع الأخرى التي يجري التحضير لها، سيسهم في تحسين الوضع الكهربائي، ودعم الاقتصاد الوطني، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. مع استمرار الجهود المبذولة، يمكن لسوريا أن تتجاوز التحديات، وتستعيد مكانتها كمركز إقليمي للطاقة والتنمية. ندعوكم لمتابعة آخر التطورات في هذا المجال، والمشاركة في جهود بناء مستقبل أفضل لسوريا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version