أصبحت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أكثر تعقيدًا وخطورة، حيث كشفت منظمة الصحة العالمية عن أرقام مروعة تتعلق بالمرضى الذين فقدوا حياتهم بسبب تأخر الإجلاء الطبي. هذا الوضع يلقي بظلال قاتمة على الرعاية الصحية في غزة، ويستدعي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي. تأتي هذه التقارير في ظل ظروف استثنائية يعيشها القطاع، مما يزيد من الحاجة إلى تسليط الضوء على هذه القضية الحيوية.

ارتفاع وفيات المرضى بسبب تأخر الإجلاء الطبي

أفاد ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأن حوالي 1092 مريضًا في غزة توفوا أثناء انتظار الحصول على الإجلاء الطبي اللازم بين شهري يوليو/تموز 2024 ونوفمبر/تشرين الثاني 2025. هذه الأرقام، التي نقلها بيبركورن للصحفيين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، تعكس حجم المعاناة التي يعيشها السكان، خاصةً أولئك الذين يحتاجون إلى علاج طبي متخصص غير متوفر في القطاع.

تحديات الحصول على الموافقات

أشار بيبركورن إلى أن الرقم الفعلي للوفيات قد يكون أعلى بكثير، نظرًا لاعتماده على الحالات المبلغ عنها فقط. كما شدد على أن عملية الحصول على الموافقات لإدخال المرضى إلى المستشفيات في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لا تزال تواجه صعوبات جمة. على الرغم من بعض التحسن في معدلات الموافقة على إرسال الإمدادات، إلا أن إدخال الأدوية والمعدات الطبية إلى غزة لا يزال “بطيئًا ومعقدًا بلا داع”.

تدهور البنية التحتية الصحية في غزة

لا يقتصر تأثير الأزمة على صعوبة الإجلاء الطبي فحسب، بل يمتد ليشمل تدهورًا كبيرًا في البنية التحتية الصحية بشكل عام. وفقًا لبيبركورن، تعمل 18 من أصل 36 مستشفى في غزة بشكل جزئي فقط، بينما توقف 43% من مراكز الرعاية الصحية الأولية عن العمل. هذا النقص الحاد في المرافق الطبية يؤدي إلى ازدحام شديد وتدهور في جودة الخدمات الطبية المقدمة.

نقص حاد في الأدوية والمستلزمات

بالإضافة إلى نقص المرافق، تعاني غزة من نقص حاد في الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية الضرورية لعلاج الأمراض المزمنة والحادة. وذكر بيبركورن بشكل خاص النقص في الأدوية اللازمة لعلاج أمراض القلب، مما يهدد حياة العديد من المرضى. هذا الوضع يفاقم من معاناة السكان ويجعلهم أكثر عرضة للمضاعفات الصحية والوفاة. الوضع الإنساني يتطلب توفير الإمدادات الطبية العاجلة بشكل مستمر.

دعوات دولية لتوفير الدعم الطبي

في هذا السياق، دعت منظمة الصحة العالمية المزيد من الدول إلى استقبال المرضى القادمين من غزة وتسهيل عودتهم إلى الضفة الغربية بعد تلقي العلاج. كما طالبت المنظمة باستئناف عمليات الإجلاء الطبي إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بشكل كامل وفوري. هذه الدعوات تأتي في إطار الجهود المبذولة لتخفيف المعاناة الإنسانية وتوفير فرصة للبقاء على قيد الحياة للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة.

تأثير الأزمة على الصحة النفسية

لا يمكن الحديث عن الأزمة الصحية في غزة دون التطرق إلى تأثيرها المدمر على الصحة النفسية للسكان. الظروف القاسية التي يعيشونها، بما في ذلك القصف المستمر، ونقص الغذاء والماء، والخوف الدائم من الموت، تترك آثارًا عميقة على صحتهم النفسية. هناك حاجة ماسة إلى توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين، لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات النفسية والتغلب على الأزمة.

الحاجة إلى حلول مستدامة

إن الوضع الحالي في غزة يتطلب حلولًا مستدامة تضمن توفير الرعاية الصحية اللازمة لجميع السكان. هذا يتطلب رفع الحصار المفروض على القطاع، والسماح بإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل حر وسريع، ودعم البنية التحتية الصحية المتضررة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا فعالًا في إيجاد حل سياسي شامل للأزمة، يضمن حقوق الفلسطينيين في الحصول على الرعاية الصحية والعيش بكرامة وأمان. الاستجابة الإنسانية العاجلة ضرورية، ولكنها ليست كافية. يجب معالجة الأسباب الجذرية للأزمة لضمان مستقبل صحي أفضل لسكان غزة.

في الختام، الأرقام التي كشفت عنها منظمة الصحة العالمية هي بمثابة صرخة استغاثة للمجتمع الدولي. يجب التحرك بشكل عاجل لتوفير الدعم الطبي اللازم لسكان غزة، وتخفيف معاناتهم، وإنقاذ حياتهم. إن تجاهل هذه الأزمة الإنسانية سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل المنطقة بأكملها. ندعو الجميع إلى التفاعل مع هذه القضية، ودعم المنظمات الإنسانية العاملة في غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار ورفع الحصار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version