في ظل الظروف الإنسانية المأساوية التي يعيشها قطاع غزة، تتفاقم معاناة المرضى بشكل يومي، وتتعطل مسارات العلاج التي كانوا يعتمدون عليها. هذه القصة تلقي الضوء على وضع مئات الفلسطينيين الذين يعانون من القرنية المخروطية، وكيف أدت الحرب إلى توقف علاجهم وتهديد بصرهم. لم تكن خولة الطلاع، وهي امرأة فلسطينية في منتصف الأربعينيات، تتوقع أن سنوات علاجها لهذه الحالة ستتوقف بسبب الحرب.
تدمير المنظومة الصحية في غزة وتأثيره على مرضى القرنية المخروطية
كانت خولة على وشك الخضوع لعملية زراعة القرنية الثانية، وهي خطوة طال انتظارها لاستعادة رؤيتها بشكل أفضل. ولكن، مع بدء القصف الإسرائيلي وتدمير المستشفيات، تحول الأمل إلى يأس. خلال عامين من التصعيد العسكري، تعرضت البنية التحتية الصحية في غزة لأضرار جسيمة، حيث خرجت 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا عن الخدمة، بالإضافة إلى تدمير 132 مركبة إسعاف، وفقًا لبيانات مكتب الإعلام الحكومي.
اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لم يحل المشكلة بشكل كامل. ففي حين أنه أنهى القتال المباشر، إلا أن إسرائيل تواصل خرق الاتفاق من خلال عمليات القصف المستمرة، وهدم المنازل، وإغلاق المعابر، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع. هذا الوضع يعيق بشكل كبير قدرة المرضى على الحصول على الرعاية اللازمة، بما في ذلك علاج أمراض العيون مثل القرنية المخروطية.
معاناة خولة الطلاع.. قصة رمزية لمرضى غزة
تصف خولة شعورها بالمعاناة المتزايدة مع كل هبوب للرياح المحملة بالغبار والأتربة، حيث تجد صعوبة بالغة في إبقاء عينيها مفتوحتين بسبب الألم. “لا أرى بشكل جيد، وكل شيء صعب. الشمس والغبار والنار تؤثر على عينيّ. حتى القصف للمنازل المجاورة يسبب لي تشويشًا في الرؤية.”
تعاني خولة من القرنية المخروطية منذ عام 2008، وقد ساعدتها عملية زراعة القرنية الأولى على استعادة جزء من بصرها. لكنها كانت ملتزمة بإرشادات صارمة للحفاظ على رؤيتها، بما في ذلك تجنب الغبار وأشعة الشمس المباشرة والجهد البدني. ومع اندلاع الحرب، أصبح الالتزام بهذه الإرشادات شبه مستحيل، كما أصبح الحصول على العلاج والمتابعة الدورية أمرًا بعيد المنال.
“العلاج لم يعد متوفرًا، وأسعاره ارتفعت بشكل جنوني، والفحوصات الشهرية لم تعد موجودة”، تضيف خولة بصوت يملؤه التعب والخوف من فقدان بصرها بشكل كامل. تطالب خولة بتوفير العلاج لمرضى القرنية المخروطية في غزة أو السماح لهم بالسفر إلى الخارج لإجراء عمليات زراعة القرنية.
انهيار القدرة على تشخيص وعلاج القرنية المخروطية في غزة
في مستشفى شهداء الأقصى، وسط قطاع غزة، يصف الدكتور علي حجازي، اختصاصي طب وجراحة العيون، الوضع بأنه “منهار تمامًا”. يشرح الدكتور حجازي أن القرنية المخروطية هي مرض تدريجي يمكن تداركه في مراحله المبكرة من خلال الفحوصات الدورية والنظارات الطبية. ولكن، في حالة عدم التشخيص المبكر، يصبح إجراء زراعة القرنية هو الحل الوحيد.
قبل الحرب، كانت وزارة الصحة في غزة تشرف على برنامج ناجح لزراعة القرنيات، حيث تم إجراء مئات العمليات بنجاح. ولكن، مع تدمير المستشفيات، توقف هذا البرنامج بالكامل. “كان لدينا أجهزة حديثة لفحص سماكة القرنية.. كلها دُمّرت. اليوم؛ لا تشخيص، ولا علاج، ولا عمليات. حتى القطرات الأساسية والحلقات والنظارات المناسبة غير متوفرة.”
ويؤكد الدكتور حجازي أن إغلاق المعابر يمنع المرضى من السفر لتلقي العلاج في الخارج، مما يزيد من تفاقم الحالات التي كانت قابلة للعلاج في السابق. هذا النقص في الرعاية الصحية يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالعمى بين مرضى القرنية في غزة.
أزمة متفاقمة بسبب النزوح ونقص الموارد
يضيف محمد ريان، مسؤول قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى، أن الوضع قد ازداد تعقيدًا بسبب موجات النزوح الكبيرة التي أدت إلى تدفق آلاف المرضى إلى المستشفى، بما في ذلك مرضى القرنية المخروطية الذين فقدوا إمكانية الوصول إلى العلاج.
“غزة كان فيها أطباء وأجهزة لفحص المرض وعمليات زراعة قرنية، لكن الحرب دمرت كل شيء. جراحة القرنية الآن غير موجودة، كما التشخيص، بينما العلاج نادر.” ويتابع ريان: “كل يوم نستقبل حالات فقدت الأمل لأنها لا تستطيع تلقي العلاج داخل أو خارج غزة.”
غياب التشخيص المبكر، ونقص الأدوية، وتوقف برنامج زراعة القرنية، وافتقاد أجهزة القياس والتشخيص، كلها عوامل تساهم في تفاقم معاناة مرضى القرنية المخروطية في غزة، وتزيد من خطر فقدانهم للبصر. إن توفير الرعاية الصحية اللازمة لهؤلاء المرضى، بما في ذلك عمليات زراعة القرنية والأدوية والمتابعة الدورية، أصبح ضرورة إنسانية ملحة.
الخلاصة
إن قصة خولة الطلاع هي مجرد مثال واحد على المعاناة التي يعيشها آلاف الفلسطينيين في غزة بسبب تدهور الوضع الصحي. الحرب لم تدمر المستشفيات فحسب، بل دمرت أيضًا آمالًا في حياة أفضل لمرضى القرنية المخروطية وغيرهم من الذين يعانون من مشاكل في الرؤية. يتطلب الوضع تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي لضمان حصول هؤلاء المرضى على الرعاية الصحية اللازمة، واستعادة بصرهم، وحياتهم. شارك هذه القصة لزيادة الوعي بمعاناة شعبنا في غزة، وللمطالبة بتوفير الدعم والمساعدة اللازمين.


