أكدت وزارة الصحة اهتمامها ومتابعتها لإصابات انحناء العمود الفقري، ونظمت في هذا الشأن حملات توعية، ووفرت للمهتمين نصائح ومعلومات حول طرق الوقاية والعلاج لهذه الحالات ومنها (الانحناء الجانبي) وفرط الحداب (الانحناء الأمامي)، وقالت: إن مثل هذه الإصابات تتطلب تشخيصاً مبكراً وعلاجاً متخصصاً والعلاج الطبيعي أو ارتداء دعامات وأخيراً الجراحة. وأوضحت الوزارة أن الجلوس الخاطئ أحد الأسباب؛ فالوضعية السليمة تشمل تدريب الجسم على الوقوف والجلوس والحركة بأقل عبء وإجهاد على العضلات والأربطة قدر الإمكان، ونصحت الأشخاص الذين يقضون فترات طويلة في الجلوس في المكاتب اتخاذ احتياطات إضافية للتأكد من الحفاظ على وضع صحي سليم.

من جانبها، تشير منظمة الصحة العالمية (WHO) الى أن نحو 500 ألف يتعرضون لإصابات في العمود الفقري كل عام، والعديد منهم يصابون بإعاقات دائمة بسبب نقص العلاج الملائم، و90% من الإصابات هي لحالات حوادث طرق وسقوط أو عنف، وتؤثر بشكل أكبر على الرجال والشباب وكبار السن، والفئات الأكثر عرضة لهذا المرض هم الشباب (20-29 عاماً) ثم كبار السن.

وطبقاً لأطباء مختصين في أمراض العظام، فإن الأطفال والمراهقين يصابون أيضاً بانحناء العمود الفقري، وشددوا على أهمية التشخيص والعلاج المبكر لمنع تفاقم الانحناء خصوصاً بين المراهقين.

المراهقات أكثر عرضة للإصابة

استشاري العظام وجراحة العمود الفقري الدكتور صلاح الدين خليفة قال لـ«عكاظ»: إن انحناء العمود الفقري من أبرز مشكلات الهيكل العظمي، التي تؤثر على التوازن الجسدي، ووظائف الأعضاء الداخلية، خصوصاً القلب والرئتين، إذا لم تُكتشف وتعالج في الوقت المناسب، وعن أسباب الانحناء قال: «إنها غير معروفة ومجهولة السبب، لكنه يشكل النسبة الأكبر خصوصاً عند المراهقين أو بسبب تشوهات خلقية لخلل في تكوّن الفقرات منذ الولادة، وأيضاً لأمراض عصبية عضلية: كشلل الأطفال، الحثل العضلي، أو إصابات الحبل الشوكي والانحناء الناتج عن الشيخوخة سبب هشاشة العظام أو تآكل الأقراص الفقرية، وهناك أسباب مكتسبة مثل الأورام أو الإصابات الشديدة».

وأوضح خليفة أنَّ مشكلات انحناء العمود الفقري تظهر غالباً في مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة، خصوصاً بين 10– 16 سنة. وأن الفتيات أكثر عرضة للنوع مجهول السبب، وحالاتهن تميل للتفاقم سريعاً، كما قد يُصاب كبار السن نتيجة للتغيرات التنكسية المرتبطة بالعمر.

تاريخ عائلي وتشوهات

عن أسباب إصابة بعض الأطفال بانحناء العمود الفقري مبكراً، أوضح الدكتور خليفة أنها تعود لتشوهات خلقية منذ الولادة، إلى جانب عوامل وراثية أو وجود تاريخ عائلي، لكن ثمة مستجدات طبية في التعامل مع الانحناء؛ منها التشخيص المبكر بأحدث الأجهزة مثل الأشعة ثلاثية الأبعاد والدعامات الوقائية لتقليل الانحناء ومنع تطوره. العلاج الطبيعي المتخصص مثل تمارين شروث (Schroth) والجراحات الحديثة بتقنيات تثبيت دقيقة وآمنة، وهناك أبحاث جديدة تتجه لاستخدام الخلايا الجذعية والدعامات الذكية.

وقال: «إن الانحناء يؤثر على الجسم عبر اختلال في شكل الكتفين والحوض مع آلام مزمنة في الظهر أو الرقبة والضغط على الرئتين مع صعوبة في التنفس في الحالات المتقدمة، إلى جانب التأثير نفسي، خصوصاً للمراهقين بسبب التغييرات الظاهرة في شكل الجسم».

الوقاية كيف.. ومتى ؟

عن الوقاية من انحناء العمود الفقري يقول الطبيب العام في تخصص العظام الدكتور عبدالرحمن الناصر لـ«عكاظ»: إنها تبدأ بالوعي خصوصاً عند الأسر والمدارس، إذ إن اكتشاف الانحناء مبكراً يمنح فرصة للعلاج التحفظي ويمنع تطوره، ومن أهم طرق الوقاية الفحص الدوري لنمو الطفل في سن المدرسة والمراهقة، خصوصاً إذا كان هناك تاريخ عائلي، ومراقبة الوقفة والمشي، وملاحظة بروز أحد الكتفين أو ميلان الجسم وهي من العلامات التحذيرية المهمة، وتشجيع الطفل على ممارسة التمارين الرياضية التي تقوّي عضلات الظهر والبطن وتحسّن استقامة العمود الفقري، والاهتمام بالتغذية لدعم صحة العظام، خصوصاً في المراحل النمائية الحساسة، والعلاج الطبيعي المنتظم لحالات الانحناء البسيط أو لمنع الانحدار في الحالات المتوسطة.

وعن مخاوف بعض المرضى من العمليات الجراحية لعلاج الانحناء، أوضح الدكتور الناصر، أنه غالباً ما يخاف المرضى أو أهاليهم من العمليات الجراحية لعلاج انحناء العمود الفقري، بسبب مفاهيم قديمة أو تجارب شخصية سلبية. لكن الواقع الطبي اليوم يختلف تماماً؛ فالجراحات الحديثة آمنة وفعّالة، إذ تُجرى بتقنيات متقدمة ودقيقة تقلل من فقدان الدم وتقصّر مدة الإقامة في المستشفى، ونسبة النجاح مرتفعة وتُسهم في تصحيح الانحناء وتحسين المظهر الخارجي وتقليل الألم المزمن، والتدخل الجراحي في الوقت المناسب يمنع تفاقم الحالة ووصول درجة الانحناء إلى أكثر من 45 درجة، مما يقلل المضاعفات على الرئتين والقلب، والمريض بعد العملية يعود تدريجياً إلى حياته الطبيعية، وغالباً أفضل من ذي قبل من حيث الراحة النفسية والجسدية.

لهذا فإن التأخر في التدخل الجراحي غير مبرر في الحالات المتقدمة، بل على العكس، القرار المبكر هو مفتاح الشفاء التام، كما أنه في حال وصول درجة الانحناء إلى 45 درجة، ننصح الآباء والأمهات بعدم تأخير التدخل الجراحي، لما في ذلك من أهمية كبيرة في منع تفاقم الانحناء وتأثيراته المستقبلية الخطيرة على صحة أبنائهم وبناتهم، خصوصاً أن التطور الكبير في تقنيات الجراحة، وارتفاع مستوى الأمان بفضل مراقبة الأعصاب أثناء العمليات، قد أدى إلى تحقيق نتائج ممتازة وعودة المرضى إلى حياتهم الطبيعية بثقة وأمان.

العلاج الطبيعي هل يفيد ؟

عن العلاج الطبيعي في التخفيف من تداعيات انحناء العمود الفقري، يشير أخصائي العلاج الطبيعي خالد العمري لـ«عكاظ» إلى أهميته في التعامل مع الانحناء؛ إذ يلعب دوراً حيوياً في علاج أو التخفيف من تداعيات وما يتبعه من تأثير على الكتفين، ويهدف العلاج بشكل أساسي إلى تحسين قوة العضلات، وزيادة المرونة، وتصحيح الوضعيات الخاطئة التي قد تزيد من حدة الانحناء أو تسبب الألم. مؤكداً أن العلاج الطبيعي يسهم بشكل كبير في التخفيف من سلبيات الانحناء عبر عدة محاور؛ منها تقوية العضلات الداعمة، إذ يعمل المختص في العلاج الطبيعي على وضع برامج تمارين لتقوية العضلات المحيطة بالعمود الفقري؛ مثل عضلات الظهر والبطن، أو عضلات الرقبة الأمامية والخلفية ما يوفر دعماً أفضل ويساعد في استقرار الانحناء، وكذا تحسين المرونة ونطاق الحركة إذ تساعد تمارين الإطالة والتحريك في زيادة مرونة العمود الفقري والأنسجة الرخوة المحيطة ما يقلل من التيبُّس ويحسن القدرة على الحركة، وتصحيح الوضعية لأصحاب الأعمال المكتبية.. إذ يتم تدريبهم على وضعيات الجلوس لفترة اقل في مدة لا تتجاوز 45 دقيقة، وأيضاً وضعيات النوم لتقليل الضغط على العمود الفقري، وتجنب تفاقم الانحناء وتخفيف الألم من خلال التمارين والعلاج اليدوي والتقنيات الأخرى مثل العلاج بالحرارة أو البرودة، أو الإبر الجافة، ويمكن للعلاج الطبيعي أن يقلل بشكل فعال من الألم المصاحب لانحناء العمود الفقري وتأثيره على الكتفين، وغالباً ما يصاحب انحناء العمود الفقري في الرقبة عدم تناظر في الكتفين، ويركز العلاج الطبيعي على استهداف عضلات الكتف وتقويمها لتحسين محاذاتها وتناغم عضلات لوح الكتف مع استقامة الرقبة.

وبشكل عام، لا يقتصر دور العلاج الطبيعي على تخفيف الأعراض فحسب، بل يساهم أيضاً في تحسين جودة حياة المريض، وزيادة الاعتماد على الذات في أداء الأنشطة اليومية، وقد يقلل في بعض الحالات من الحاجة إلى التدخلات الجراحية. ويُعتبر الالتزام ببرنامج العلاج الطبيعي أمراً حاسماً لتحقيق أفضل النتائج.

حقائب الظهر.. مشكلة

عن إصابة الأطفال بانحناء العمود الفقري، أوضح طبيب الأطفال الدكتور خالد العتيبي لـ«عكاظ»: أن العمود الفقري للطفل هو الأساس الذي يحمل أحلامه نحو المستقبل، لكنه قد يتعرض لانحناءات غير طبيعية تُعرف بـ(الجنف)، خاصة بين عمر 10 و15 عاماً، وهي مرحلة النمو الأسرع في حياة الطفل. في هذه الفترة، تلعب العوامل الوراثية دوراً رئيسياً، لكن نمط الحياة الخاطئ يزيد المشكلة تعقيداً.

وأكدت الدراسات الحديثة أن الجنف ليس سببه المباشر حمل الحقائب المدرسية، لكن الحقائب الثقيلة، خصوصاً إذا تجاوزت 10% من وزن الطفل أو حُملت على كتف واحد، يمكن أن تسبب آلاماً في الظهر وانحناء الكتف وتضعف توازن العمود الفقري.

ولحماية ظهر الأطفال من الانحناء، يجب اختيار حقيبة مدرسية ذات حزامين مبطّنين توزع الحمل بالتساوي، والتأكد من أن وزنها لا يزيد على 10% من وزن الطفل. كما يُنصح بتعزيز قوة العضلات الأساسية عبر التمارين، وتشجيع الطفل على الجلوس الصحيح، وتقليل حمل الكتب غير الضرورية.

وأكد العتيبي أن الكشف المبكر هو كلمة السر؛ فالفحص الدوري للظهر في المدارس قد يقي من تطور الانحناء إلى مراحل متقدمة تؤثر على التنفس وجودة الحياة. فلنمنح أطفالنا دعماً حقيقياً يبدأ من حقيبة خفيفة وظهر سليم، نحو مستقبل مليء بالقوة والثقة.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version