حين ترتفع خيمة عربية في قلب دمشق، لا تكون مجرد مأوى تقليدي، بل تتحول إلى نص بصري يحمل ملامح التاريخ ومعاني المستقبل. بيت الشَعَر الذي استقبل وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح ووفداً يضم أكثر من 130 رجل أعمال ومستثمراً جاء برسالة أعمق من اللقاءات الرسمية.
هذا البيت، بأعمدته التي تشد أركانه، يختزل فكرة أن العروبة لا تذوب مهما تبدلت خرائط المصالح، وأن السعودية ما تزال العمود المركزي الذي يقوم عليه سقف العلاقات العربية، في كل محطاتها المفصلية.
بيت الشَعَر في الثقافة العربية رمز متجذر في البادية والمدينة، ظلّ شاهداً على قيم الشورى والكرم والوفاء. اختيار هذا الفضاء ليكون منصة حوار اقتصادي يؤكد أن مسار الاستثمار يمكن أن ينطلق من أرضية أصيلة قبل أن يمتد إلى أبراج المال الحديثة. الألوان الحمراء والسوداء في نسيج الخيمة، وأدوات القهوة العربية، والسجاد المفروش بعناية، تشكل لغة مشتركة يفهمها كل عربي بلا ترجمة.
في قلبها وُضعت صور القادة، والأعلام التي جمعت الرياض ودمشق في لحظة سياسية تعيد ترميم العلاقات وتبني جسوراً من الثقة، لا بأوراق الاتفاقيات فقط، بل بروح الأصالة التي لا تنفصل عن الحداثة.
وجود هذا الوفد الكبير الذي حضر بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يعكس توجهاً إستراتيجياً يربط بين الهوية والمستقبل. المنتدى السعودي – السوري لم يكن اجتماع أرقام بقدر ما كان إعادة صياغة للعلاقات ضمن سردية عربية متجددة، حيث يشكل بيت الشَعَر امتداداً للروح، والسوق امتداداً للعقل.
في هذه الخيمة، يتقاطع التراث مع الاستثمار، وتتلاقى ذاكرة الرمال مع مشاريع الأبراج، ليرتسم مشهد يوحي بأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا إذا استندت إلى عمقها الثقافي. أعمدة الخيمة الأربعة التي تحمل السقف تناظر أركان الثبات العربي، فيما يبقى العمود الأقوى الذي تتكئ عليه هذه الخيمة هو الدور السعودي، الذي يربط بين الأوطان ويحفظ توازنها، فالسياسة هنا لا تُمارس بلغة المصالح المجردة، بل تُبنى على قاعدة أن البيت العربي الواحد لا يستقيم إذا مالت أعمدته، وأن التعاون الاقتصادي يكتسب قوته حين يُصاغ في إطار هوية جامعة.
الخيمة في دمشق لم تكن صورة تراثية، بل مشروع رمزي عنوانه أن العروبة قادرة على إنتاج نموذجها الخاص للتكامل، نموذج يبدأ من عمود البيت وينفتح على كل اتجاهات الأفق. هذا المشهد يقدم درساً في الدبلوماسية الناعمة، حيث يتحول التراث إلى أداة تأثير، وتصبح الخيمة منصة حوار لا تقل شأنا عن أرفع القاعات الدولية.
في لحظة إقليمية يكثر بها الانقسام، يجيء بيت الشَعَر ليقول إن الجذور هي الطريق الأكثر أماناً نحو المستقبل، وإن السعودية حين تقيم عمودها في خيمة عربية، فهي تكتب نصاً سياسياً واقتصادياً يعيد ترتيب المكانة ويوسع مساحة الثقة، لتصبح العروبة إطاراً للتنمية لا مجرد شعار يتكرر في الخطابات.
أخبار ذات صلة