تزايد التوترات الإقليمية يثير المخاوف من تصعيد عسكري واسع النطاق، وفي هذا السياق، تتجه الأنظار نحو لبنان وسلوك إسرائيل المتصاعد في مواجهة حزب الله. فما الذي يشير إليه هذا التحرك، وما هي الدوافع الكامنة وراءه؟ تتناول هذه المقالة تحليلًا معمقًا للأحداث الأخيرة، استنادًا إلى معلومات حصل عليها مدير مكتب الجزيرة في فلسطين، وليد العمري، وتستكشف الخلفيات السياسية والأمنية التي تقود إلى هذا التطور المقلق.

الغطاء الأمريكي والتصعيد الإسرائيلي في لبنان

تشير المعلومات المتوفرة إلى أن إسرائيل تحظى بدعم واضح من الولايات المتحدة الأمريكية للمضي قدمًا في تصعيد عملياتها العسكرية داخل لبنان. هذا الدعم يأتي، وفقًا للتحليلات، مقابل تخفيف الضغوط في قطاع غزة. يبدو أن الإدارة الأمريكية قد ألمحت إلى ضرورة خفض وتيرة العمليات في غزة، لكنها أبدت مرونة أكبر تجاه أي تحركات إسرائيلية في الساحة اللبنانية.

هذا الوضع يعطي الحكومة الإسرائيلية هامشًا أكبر للمناورة، ويدفعها إلى استغلال هذه الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، خاصةً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الداخلية. لذا، فإن ما تشهده المنطقة ليس مجرد رد فعل على تطورات عسكرية، بل هو جزء من حسابات معقدة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية مع الأهداف السياسية الداخلية.

استهداف قيادي في حزب الله: رسالة تصعيد واضحة

استهداف إسرائيل لشخصية قيادية بارزة في حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي أسفر عن استشهاد عدة أشخاص وإصابة آخرين، يمثل تحولًا نوعيًا في إدارة التصعيد. لم يعد الاستهداف يقتصر على المواجهات الحدودية أو العمليات المحدودة، بل امتد ليشمل قلب العاصمة اللبنانية.

دوافع الاستهداف و”الرجل الثاني” في الحزب

تعتبر إسرائيل الشخصية المستهدفة بمثابة “الرجل الثاني” في حزب الله، مما يشير إلى رغبة في إضعاف قدرات الحزب بشكل جوهري. هذا الاستهداف يعكس مستوى من الرصد والمتابعة المستمرة، ويعكس تخطيطًا دقيقًا يهدف إلى إدامة حالة التصعيد. الهدف ليس بالضرورة تحقيق نصر عسكري سريع، بل إرسال رسالة قوية، وربما دفع حزب الله إلى تبني سلوك أكثر حذرًا.

دوافع داخلية إسرائيلية للتصعيد

لا يقتصر التفسير وراء التصعيد الإسرائيلي على العوامل الخارجية، بل تتداخل معه دوافع داخلية معقدة. يشير العمري إلى أن قطاعات واسعة داخل إسرائيل نفسها تشكك في أن الدوافع وراء هذه التحركات أمنية بحتة. هناك اعتقاد متزايد بأن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إبقاء التوتر قائمًا، لأنه يخدم أجندتها الحزبية ويهدف إلى صرف الأنظار عن المشاكل الداخلية، وعلى رأسها المحاكمات التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

بالتالي، يُنظر إلى إدارة التوتر على أنها أداة فعالة لتجميع الدعم الشعبي، وإقناع الإسرائيليين بأن الحكومة لا تخضع للضغوط الأمريكية، وهو اتهام يوجه إليها باستمرار من قبل المعارضة.

تقييم الرد المحتمل من حزب الله

تُجري المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تقييمًا دقيقًا لاحتمالات الرد من جانب حزب الله. التقديرات الحالية تشير إلى أنها لا تتوقع ردًا كبيرًا أو مفاجئًا في هذه المرحلة. يعتقد الإسرائيليون أن قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات نوعية محدودة، خاصة بعد الضربات المتواصلة التي تعرض لها.

ومع ذلك، فقد ضخّمت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها حجم تهديد حزب الله في الأيام الأخيرة، بهدف تبرير عملياتها الهجومية داخل لبنان، والاستعداد لأي تطور محتمل. هذا التحليل يوضح أن إسرائيل تخطط لكل السيناريوهات المحتملة، وتعمل على تقليل المخاطر المترتبة على أي رد فعل من قبل حزب الله.

التوازنات السياسية والعمليات العسكرية

يشير تحليل العمري إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي قطع اجتماعات هامة لمناقشة التحقيقات في أحداث 7 أكتوبر، وانتقل مباشرة للإشراف على عملية الاغتيال. هذا يدل على الأهمية التي توليها إسرائيل لهذه العملية، وسرعة الاستجابة للمعلومات الاستخباراتية “العاجلة والحساسة” التي تلقتها.

تستمر إسرائيل في تنفيذ عمليات دقيقة داخل الجنوب اللبناني، مستغلةً ما تعتبره “ضعفًا” في قدرة حزب الله على استعادة قوته العملياتية. في الوقت نفسه، تسعى إلى تحقيق مكاسب إضافية قبل أي تغيير محتمل في المعادلة الإقليمية. هذا التوازن الدقيق بين العمليات العسكرية والتوازنات السياسية يعكس التعقيد الذي يميز الوضع الحالي.

مستقبل التوترات الإقليمية

باختصار، يبدو أن إسرائيل تتعامل مع أي رد من حزب الله أو فصائل المقاومة باعتباره خرقًا لوقف إطلاق النار، في حين أنها تبرر عملياتها بأنها تأتي في إطار “ضرورات أمنية”. هذا النهج، المدعوم بغطاء سياسي أمريكي، يسمح باستمرار الهجمات في لبنان بوتيرة أعلى من الجبهات الأخرى.

الصورة العامة تشير إلى استمرار تصعيد محسوب، يستند إلى اعتبارات أمنية وانتخابية في آن واحد. تبقى المنطقة مفتوحة على مزيد من المواجهات، ما دامت الحكومة الإسرائيلية ترى في إدارة التوتر أداة فعالة لتحقيق أهدافها الداخلية والخارجية. من الضروري مراقبة هذه التطورات عن كثب، والعمل على احتواء التوترات لمنع انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع.

هذا الوضع يتطلب تحليلًا مستمرًا وتقييمًا دقيقًا للمخاطر، بالإضافة إلى جهود دبلوماسية مكثفة للوصول إلى حلول سياسية تضمن الاستقرار الإقليمي. هل ستنجح هذه الجهود في التهدئة، أم أن المنطقة تتجه نحو تصعيد لا يمكن التنبؤ بعواقبه؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version