في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، يجد الملف النووي الإيراني نفسه مجددًا في قلب الأزمة الدبلوماسية، مع قرار حديث لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورد فعل طهران القوي عليه. هذا القرار، الذي يطالب بالتعاون الفوري في ما يتعلق بالمنشآت النووية الإيرانية ومخزون اليورانيوم المخصب، يأتي في لحظة حرجة، ويهدد بتعقيد جهود تهدئة الأوضاع في المنطقة.

قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية: تفاصيل ومخاطر

اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الخميس الماضي، قرارًا يدعو إيران إلى التعاون الفوري والكامل مع الوكالة فيما يتعلق بمواقعها النووية ومخزونها من اليورانيوم المخصب. هذا القرار، الذي تقدمت به الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، حظي بدعم أغلبية الأعضاء، حيث صوّت 19 صوتًا لصالحه، مقابل 3 أصوات معارضة (روسيا والصين والنيجر)، وامتناع 12 عضوًا آخر.

وينص القرار على ضرورة تعاون طهران بشأن المواقع النووية التي تعرضت لقصف في يونيو الماضي، وكذلك المخزون من اليورانيوم المخصب الذي لم تتمكن الوكالة من التحقق منه منذ أشهر. هذه المطالب تأتي على خلفية تقارير تفيد بأن إيران كانت تمتلك، قبل الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، حوالي 441 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 60%، وهي درجة قريبة جدًا من 90% اللازمة لإنتاج أسلحة نووية. وتقديرات الوكالة تشير إلى أن هذه الكمية نظريًا تكفي لتصنيع عشر قنابل نووية.

الهجمات على المنشآت النووية وتداعياتها

في سياق متصل، تعرضت منشآت نووية إيرانية، بما في ذلك نطنز وفوردو، لغارات جوية يُعتقد أنها إسرائيلية وأمريكية، بهدف تعطيل برنامج طهران النووي. في حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن هذه الضربات دمرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل، إلا أن تسريبات استخباراتية من واشنطن أثارت شكوكًا حول هذا الادعاء. هذه الهجمات، بالتزامن مع القيود المفروضة على عمليات التفتيش، زادت من الشكوك حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني.

رد فعل إيران: تعليق التعاون واتهام الغرب

أثار قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية غضبًا في طهران، حيث ندد المندوب الإيراني لدى الوكالة بالقرار ووصفه بأنه يهدف إلى ممارسة ضغط غير مشروع على إيران. وأكد أن القرار يستند إلى رواية خاطئة ومضللة حول البرنامج النووي الإيراني، وأن دول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة تتوقع من إيران الاستمرار في التعاون حتى في ظل تعرض منشآتها للقصف، وهو أمر يعتبره غير منطقي.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعلن بدوره أن بلاده أبلغت مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بإنهاء اتفاق القاهرة، الذي كان يهدف إلى تعزيز التعاون بين إيران والوكالة، وذلك ردًا على القرار الصادر عن مجلس المحافظين. وأشار إلى أن الاتفاق فقد فعاليته كآلية لتنظيم العلاقة بين الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، اتهم عراقجي دول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة بتجاهل حسن نية إيران وقوض مصداقية الوكالة واستقلالها.

موقف إيران من عمليات التفتيش المستقبلية

أكد وزير الخارجية الإيراني أن بلاده لن تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول المنشآت النووية التي تعرضت للقصف، قبل التوصل إلى اتفاق ملموس. هذا الموقف يضع تحديًا إضافيًا أمام جهود التفتيش والتحقق من طبيعة البرنامج النووي الإيراني.

آفاق الدبلوماسية والتوترات المستمرة

على الرغم من التوتر، أبدت فرنسا وبريطانيا وألمانيا رغبتها في إعادة فتح باب الدبلوماسية مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقد قامت هذه الدول بتفعيل “آلية الزناد” في سبتمبر الماضي، مما أدى إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران. وقالت مصادر دبلوماسية إن الدول الثلاث تأمل في إجراء محادثات مع إيران قبل نهاية العام، لكن ذلك يعتمد على استعداد طهران للمشاركة.

الولايات المتحدة ودول غربية أخرى وإسرائيل تواصل التأكيد على قلقها بشأن سعي إيران الحثيث للحصول على أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران بشدة، مؤكدة أن برنامجها النووي سلمي. بالتالي، يبقى المجتمع الدولي أمام خيارين رئيسيين: إما الانخراط في حوار جاد ومستدام مع إيران، أو مواجهة تصعيد محتمل يهدد الاستقرار الإقليمي.

في الختام، قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورد فعل إيران يشكلان نقطة تحول حاسمة في ملف النووي الإيراني. مستقبل هذا الملف يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول دبلوماسية تضمن الشفافية والتحقق، وتخفف من التوترات المتزايدة في المنطقة. من الضروري أن تدرس إيران بعناية الآثار المترتبة على موقفها، وأن تستجيب لمطالب الوكالة الدولية، من أجل استعادة الثقة وتجنب المزيد من التصعيد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version