بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال سوريا تعاني من جراح عميقة، وأكثرها إيلامًا هي قضية المفقودين، الذين اختفوا قسريًا خلال سنوات حكمه. آلاف العائلات السورية تعيش في حالة من الغموض والترقب، تبحث عن أي معلومة عن مصير أحبائها، بينما لا تزال السلطات الرسمية صامتة، والسجلات مخفية. هذا المقال يسلط الضوء على هذا الملف الإنساني المعقد، والتحديات التي تواجهها العائلات واللجنة الوطنية المكلفة بالبحث عنهم.
عام بعد السقوط: أين هم المفقودون السوريون؟
مر عام كامل على سقوط نظام بشار الأسد، ومع ذلك، لم يجد آلاف السوريين أجوبة شافية حول مصير أبنائهم وأزواجهم وآبائهم الذين اختفوا قسريًا. كان الأمل معلقًا على فتح سجون النظام، وعلى رأسها سجن صيدنايا سيئ السمعة، المعروف بـ “المسلخ البشري”، بحثًا عن أي سجلات أو معلومات قد تكشف عن مصير المعتقلين. لكن هذا الأمل سرعان ما تحول إلى خيبة أمل، حيث لم يتم العثور على أي شيء ذي قيمة حتى الآن.
قصص مؤلمة من وراء قضية المفقودين
تتوالى القصص المروعة من الأمهات والزوجات اللواتي فقدن أحبائهن. أمينة بقاعي، مثال على ذلك، تروي قصة اختفاء زوجها محمود وأخيها أحمد عام 2012 بعد اعتقالهما من قبل قوات الأمن السورية. تقول أمينة بأسى: “منذ عام وحتى الآن، هل لم يحصلوا بعد حتى على وثائق هؤلاء الرجال؟ نحن نريد الحقيقة، نريد أن نعرف ما الذي حدث لهم.”
قصة عليا دراجي لا تقل مأساوية، فهي تبحث عن ابنها يزن منذ عام 2014. “كنا نأمل أن نجد جثثهم لنتمكن من دفنهم أو على الأقل أن نعرف أين هم”، هكذا عبرت عن أملها المحبط. هذه القصص ليست استثناءً، بل هي جزء من واقع مرير تعيشه آلاف العائلات السورية. إن الألم والانتظار هما الرفيق الدائم لهؤلاء الأمهات والزوجات.
اللجنة الوطنية للمفقودين: جهود بطيئة ولكن ضرورية
في مايو/أيار 2025، تم تشكيل اللجنة الوطنية للمفقودين بتوجيه من الرئيس الجديد أحمد الشرع. تهدف اللجنة إلى جمع الأدلة، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة لجميع المفقودين، ومحاولة تحديد مصيرهم.
التحديات التي تواجه اللجنة
تواجه اللجنة العديد من التحديات، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى المقابر الجماعية، وغياب التعاون من بعض الجهات، وتعقيد عملية جمع الأدلة وتوثيقها. المتحدثة الإعلامية باسم اللجنة، زينة شهلا، تؤكد على ذلك قائلة: “ربما نكون بطيئين، لكن الملف يحتاج أن يُعالج بعناية وبطريقة علمية ومنهجية.” وتضيف أن اللجنة تعمل على بناء الثقة مع العائلات، وتوفير الدعم النفسي لهم.
أهمية التوثيق الشامل
على الرغم من بطء الإجراءات، إلا أن إنشاء قاعدة بيانات شاملة لـ المفقودين يعتبر خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة. هذه القاعدة البيانات ستساعد في تحديد المسؤولين عن عمليات الاختفاء القسري، وتقديمهم إلى العدالة. كما ستوفر للعائلات معلومات قيمة عن مصير أحبائها، حتى لو كانت هذه المعلومات مؤلمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوثيق الشامل يمثل جزءًا أساسيًا من جهود المصالحة الوطنية في سوريا.
البحث عن العدالة والمحاسبة
إن قضية المفقودين في سوريا ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي أيضًا قضية عدالة ومحاسبة. يجب على المجتمع الدولي الضغط على الحكومة السورية لفتح سجلاتها، والتعاون مع اللجنة الوطنية للمفقودين، والسماح للمنظمات الدولية المستقلة بالوصول إلى السجون والمقابر الجماعية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والتقني للجنة الوطنية للمفقودين، لمساعدتها في أداء مهمتها الصعبة. كما يجب على الدول التي لديها معلومات عن مصير المفقودين السوريين، مشاركة هذه المعلومات مع اللجنة.
أمل معلق ببدء التوثيق الموسع
على الرغم من كل الصعوبات، لا يزال هناك أمل في أن تبدأ اللجنة الوطنية للمفقودين العام المقبل توثيقًا موسعًا يمكن أن يقدم للعائلات بعض الأمل بعد سنوات من الألم والانتظار. هذا التوثيق يجب أن يكون شفافًا وشاملاً، وأن يرتكز على الأدلة القاطعة.
إن حل قضية المفقودين هو مفتاح بناء مستقبل أفضل لسوريا، مستقبل يقوم على العدالة والمحاسبة والتصالح. كما أن معالجة هذه القضية ضرورية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل. يجب أن يكون مصير كل مفقود معلومًا لعائلته، وأن يحصل المسؤولون عن اختفائهم على جزائهم العادل.
شارك هذا المقال على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول قضية المفقودين في سوريا.
كلمات مفتاحية ذات صلة: سوريا، المعتقلون، حقوق الإنسان، المصالحة الوطنية، سجن صيدنايا.



