يشهد العالم العربي وضعاً غذائياً مقلقاً للغاية، حيث ارتفعت معدلات نقص الغذاء بشكل غير مسبوق. فقد كشف تقرير حديث صادر عن ست منظمات أممية أن 198 مليون شخص في المنطقة عانوا من الجوع الحاد أو المتوسط خلال العام الماضي، مما يمثل زيادة بنسبة 65% مقارنة بمستويات عام 2015. هذا الارتفاع يثير مخاوف جدية بشأن الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي في المنطقة، ويستدعي تحركاً عاجلاً لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.
أزمة الغذاء في العالم العربي: أرقام مقلقة وتحديات متزايدة
الأرقام الصادمة التي كشف عنها التقرير الأممي تؤكد أن الدول العربية تواجه مستويات من الفقر لم تشهدها منذ عقدين. 77.5 مليون شخص، أي ما يعادل 16% من سكان المنطقة، عانوا من الجوع الحاد في عام 2025. هذه الأزمة لا تتعلق فقط بقلة الغذاء، بل أيضاً بالقدرة على الوصول إليه وشراءه، كما أوضح عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
العوامل المحفزة لأزمة الجوع
تتضافر عدة عوامل لتفاقم أزمة نقص الغذاء في المنطقة العربية. الصراعات المسلحة، مثل الحرب في غزة والنزاعات في اليمن والسودان، تلعب دوراً رئيسياً في تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي وتشريد السكان. إلا أن الأسباب تتجاوز ذلك بكثير.
النمو الاقتصادي البطيء، وتراجع قيمة العملات المحلية، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وتفاقم أعباء الديون، كلها عوامل تساهم في زيادة معدلات الجوع. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الدول العربية صعوبات في الحفاظ على الدعم الغذائي، وتراجع الحماية الاجتماعية، وتعزيز الإنتاج المحلي من الغذاء.
تكلفة الغذاء الصحي: حلم بعيد المنال
يشير التقرير إلى أن الحصول على غذاء صحي أصبح بعيد المنال بالنسبة لـ 186 مليون شخص في المنطقة العربية، أي ما يعادل 40% من السكان. تكلفة الغذاء الصحي تقدر بـ 4.3 دولارات للشخص الواحد يومياً، وهو مبلغ يتجاوز متوسط دخل الكثيرين. هذا يعني أن الكثير من الأسر مجبرة على الاختيار بين توفير الغذاء الأساسي أو الحصول على غذاء صحي ومغذي.
غياب العدالة الاجتماعية: عامل رئيسي في تفاقم الأزمة
لا يمكن الحديث عن أزمة نقص الغذاء في العالم العربي دون التطرق إلى قضية العدالة الاجتماعية. يؤكد عبد الحكيم الواعر أن غياب المساواة داخل البلد الواحد يمثل عاملاً رئيسياً في تفاقم الأزمة. سكان القرى والمدن النائية غالباً ما يعجزون عن شراء الغذاء الصحي بسبب ارتفاع الأسعار أو عدم وصول سلاسل الإمداد إليهم.
هشاشة النظم الغذائية وتغير المناخ
بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من الدول العربية من هشاشة النظم الغذائية، وتغير المناخ، والجفاف، وندرة المياه. هذه العوامل تقلل من قدرة هذه الدول على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتجعلها أكثر اعتماداً على الاستيراد. وهذا الاعتماد يجعلها عرضة للصدمات الخارجية وتقلبات الأسعار العالمية.
نحو حلول مستدامة لمواجهة أزمة الغذاء
يتطلب التغلب على أزمة نقص الغذاء في العالم العربي اتباع نهج شامل ومتكامل. يجب على الحكومات التركيز على تعزيز منظومات الحماية الاجتماعية، والتعامل مع التفاوت الطبقي بشكل أكثر إنصافاً، لضمان حصول جميع المواطنين على الحد الأدنى من الغذاء الصحي.
الاستثمار في البحث العلمي والزراعة الذكية
بالإضافة إلى ذلك، يجب زيادة الإنفاق على البحث العلمي لتطوير تقنيات الزراعة الذكية التي تزيد من الإنتاج المحلي وتقلل من الاعتماد على الاستيراد. كما يجب تعزيز منظومات الدعم الحكومي للمزارعين وتشجيعهم على تبني ممارسات زراعية مستدامة.
تغيير النظرة إلى الغذاء الصحي
من الضروري أيضاً تغيير النظرة إلى الغذاء الصحي في المنطقة العربية، الذي لا يزال يعتبره الكثيرون نوعاً من الرفاهية. يجب التأكيد على أهمية الغذاء الصحي في الوقاية من الأمراض المزمنة، مثل التقزم والهزال والسمنة والسكري وفقر الدم، والتي أصبحت مستويات انتشارها في المنطقة غير مسبوقة. الاستثمار في التوعية الغذائية وتعزيز السلوكيات الصحية يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تحسين الأمن الغذائي والصحة العامة.
في الختام، أزمة نقص الغذاء في العالم العربي تمثل تحدياً كبيراً يتطلب تحركاً عاجلاً ومنسقاً من جميع الأطراف المعنية. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، والاستثمار في الزراعة المستدامة، يمكننا تحقيق الأمن الغذائي لجميع سكان المنطقة، وبناء مستقبل أكثر صحة وازدهاراً. ندعو إلى مشاركة هذا المقال ونشر الوعي حول هذه القضية الهامة، والعمل معاً لإيجاد حلول مستدامة.



