تتصاعد المعارك في السودان، وتشهد تطورات خطيرة تهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي. بعد سقوط مدينتي الفاشر وبابنوسة، يركز الصراع الآن على السيطرة على المراكز الإقليمية الاستراتيجية، وخاصة ولاية النيل الأبيض، في محاولة لتقسيم البلاد. هذا التحليل يستعرض آخر المستجدات، مع التركيز على الأهداف العسكرية لقوات الدعم السريع، واستراتيجيات الجيش السوداني، ودور المرتزقة الأجانب في هذا الصراع الدامي. الحرب في السودان تتجه نحو مرحلة جديدة من التعقيد، تتطلب فهمًا دقيقًا للديناميكيات المتغيرة على الأرض.
تطورات الأوضاع العسكرية: من الفاشر إلى النيل الأبيض
سقوط الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وبابنوسة في غرب كردفان، يمثل نقطة تحول حاسمة في الحرب في السودان. العميد إلياس حنا، الخبير العسكري والاستراتيجي، يؤكد أن قوات الدعم السريع تهدف الآن إلى السيطرة على ولاية النيل الأبيض، بهدف فصل شرق السودان عن غربه. هذه الخطوة، إذا نجحت، ستؤدي إلى تفكك السودان وتقويض سلطة الحكومة المركزية.
الانسحاب التكتيكي من هجليج: استعداد للهجوم المضاد؟
أعلن الجيش السوداني عن انسحابه “تكتيكيًا” من حقل هجليج بغرب كردفان، مع المعدات والآليات، إلى دولة جنوب السودان. الهدف المعلن هو تجنب تدمير حقول النفط، وهي شريان حيوي للاقتصاد السوداني. ولكن، يوضح العميد حنا أن الانسحاب التكتيكي لا يعني الاستسلام، بل هو استعداد عسكري للهجوم المضاد في مرحلة لاحقة. هذا يشير إلى أن الجيش السوداني يحاول إعادة تجميع صفوفه وتخطيط استراتيجية جديدة لمواجهة تقدم قوات الدعم السريع.
الأهمية الاستراتيجية لمنطقة هجليج
تعتبر منطقة هجليج ذات أهمية استراتيجية كبيرة لعدة أسباب. فهي غنية بالنفط والذهب، وتمثل بوابة نحو كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان. السيطرة على هجليج تمنح قوات الدعم السريع القدرة على التحكم في العائدات النفطية، والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، وتعزيز نفوذها في المنطقة. هذا يفسر الإصرار على السيطرة عليها، والتحديات التي واجهها الجيش السوداني في الدفاع عنها.
استراتيجيات القتال: الجيش السوداني مقابل الدعم السريع
يشير العميد حنا إلى وجود اختلاف كبير في استراتيجيات القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. الجيش السوداني يقاتل بطريقة تقليدية، تعتمد على التنظيم العسكري والخطوط الأمامية الواضحة. في المقابل، يقاتل الدعم السريع على طريقة العصابات والمليشيات، باستخدام تكتيكات غير تقليدية، مثل الكمائن والهجمات الخاطفة، والاعتماد على الانتشار السريع في المناطق المدنية. هذا الاختلاف في الاستراتيجيات يفسر النجاحات التي حققتها قوات الدعم السريع في بعض المعارك، وصعوبة مواجهتها من قبل الجيش النظامي. الصراع في السودان يتطلب فهمًا لهذه الديناميكيات المتغيرة.
دور المرتزقة الأجانب: عنصر جديد في المعادلة
لا يخفى على المراقبين دور المرتزقة الأجانب في الحرب في السودان. العميد حنا يؤكد أن مشاركة المرتزقة القادمين من كولومبيا ليس بالأمر الجديد، وأنهم ساهموا بشكل كبير في سقوط مدينة الفاشر. هؤلاء المرتزقة يأتون كخبراء، ولديهم خبرة قتالية خاصة في قتال العصابات والمدن، مما يمنح قوات الدعم السريع ميزة إضافية في المعارك.
العقوبات الأمريكية على شبكات تجنيد المرتزقة
في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جهات اتهمتها بتأجيج الحرب في السودان، مستهدفة شبكة عابرة للحدود تُجند عسكريين كولومبيين سابقين وتدرب جنودًا، بينهم أطفال، للقتال في صفوف قوات الدعم السريع. هذه العقوبات تأتي في إطار الجهود الدولية للحد من تصعيد العنف، ومحاسبة المسؤولين عن تأجيج الصراع. وتشمل العقوبات 4 أفراد و4 كيانات، معظمهم من المواطنين والشركات الكولومبية.
مستقبل الصراع: سيناريوهات محتملة
مستقبل الحرب في السودان لا يزال غامضًا، وهناك عدة سيناريوهات محتملة. قد يستمر الصراع لفترة طويلة، مع تبادل السيطرة على المناطق الاستراتيجية، وتصاعد العنف. أو قد يتم التوصل إلى اتفاق سلام، بوساطة دولية، ينهي القتال ويضع أساسًا لحكومة انتقالية. ولكن، لتحقيق ذلك، يجب على جميع الأطراف إظهار التزام حقيقي بالسلام، والتخلي عن المطالب غير الواقعية. الأزمة السودانية تتطلب حلولًا سياسية شاملة، تعالج جذور الصراع، وتضمن مشاركة جميع المكونات السودانية في بناء مستقبل البلاد.
في الختام، الوضع في السودان يتطلب متابعة دقيقة وتحليلًا معمقًا. فهم التطورات العسكرية، والاستراتيجيات المتبعة، ودور الأطراف الخارجية، أمر ضروري لتقييم المخاطر المحتملة، واقتراح الحلول المناسبة. نأمل أن تسهم هذه المقالة في زيادة الوعي حول هذا الصراع الدامي، وتشجيع الجهود الدولية لإيجاد حل سلمي ودائم. شارك هذا المقال مع الآخرين للمساهمة في نشر الوعي حول الحرب في السودان.



