في أعقاب التغيير السياسي الذي شهدته سوريا في ديسمبر 2024، تتوالى الجهود الرامية إلى إعادة دمج المناطق المختلفة في الدولة، وتحديداً تلك التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). ورغم تأكيدات قسد المستمرة بشأن استمرار الحوار مع الحكومة السورية، إلا أن دمشق ترى أن هذه المباحثات لم تثمر عن نتائج ملموسة حتى الآن. هذا المقال يتناول آخر تطورات المباحثات السورية – قسد، والعقبات التي تواجهها، وموقف الطرفين، مع التركيز على آفاق تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا.
آخر تطورات المباحثات السورية – قسد: جمود في التنفيذ
أعلنت وزارة الخارجية السورية، يوم الجمعة الموافق 26 ديسمبر 2025، عن عدم تحقيق أي تقدم حقيقي في المفاوضات مع قسد. ووفقاً لمصدر مسؤول في الوزارة، نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا)، فإن الإشارات المتكررة من قيادة قسد حول استمرار الحوار لا تنعكس على أرض الواقع. يُعتبر هذا التصريح بمثابة تلميح إلى أن خطاب قسد قد يكون موجهاً لأغراض إعلامية، بهدف امتصاص الضغوط السياسية، بينما يظل الوضع على حاله من حيث غياب الإرادة الجادة للتطبيق.
تباين في الرؤى حول وحدة الأراضي السورية
أشار المصدر في وزارة الخارجية إلى التناقض الظاهر بين التأكيد المستمر على وحدة سوريا من جانب قسد، والواقع القائم في شمال شرق البلاد. ففي هذه المنطقة، توجد مؤسسات إدارية وأمنية وعسكرية تعمل بشكل مستقل عن الدولة المركزية، مما يعزز الانقسام بدلاً من معالجته. هذا التباين في الرؤى يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية الدمج.
نفي اتفاق جديد وتوقف الاتصالات
في سياق متصل، نفت مصادر سورية الأنباء التي ترددت حول التوصل إلى اتفاق جديد مع قسد. صرح نائب وزير الإعلام السوري، عبادة كوجان، يوم الخميس، بأن الاتصالات مع قسد متوقفة حالياً، مؤكداً عدم دقة المعلومات المتداولة حول قرب التوصل إلى اتفاق. وأضاف كوجان أن موقف الحكومة السورية واضح وثابت، وأنها قدمت مقترحات بناءة، لكن قسد تماطل في تنفيذها.
ضغوط أمريكية ودور تركيا
أوضح كوجان أيضاً أنه لا توجد ضغوط أمريكية على الحكومة السورية للمضي قدماً في هذا المسار. من جهته، صرح المستشار الإعلامي للرئيس السوري، أحمد موفق زيدان، بأن الخيارات المتاحة أمام قسد قد ضاقت، وأن عليها تحمل مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتها، خاصةً في ظل حضور دول وازنة مثل تركيا والولايات المتحدة خلال المفاوضات السابقة. هذا يشير إلى الدور المحوري الذي تلعبه هذه الدول في مستقبل العلاقة بين دمشق وقسد.
موقف قسد: حرص على استمرار الحوار والمطالبة باللامركزية
على الجانب الآخر، أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، حرص قسد على استمرار الحوار وتجنب فشل الاتفاق المبرم مع دمشق. وقال عبدي، في مقطع فيديو نشرته قسد، إن جميع الجهود تُبذل لمنع إفشال هذا المسار. إلا أنه جدد المطالبة بـ “اللامركزية” كأحد الشروط الأساسية لاستمرار الحوار، وهي المسألة التي ترفضها الحكومة السورية بشدة، معتبرةً أنها تتعارض مع مبادئ وحدة الأراضي السورية.
اتفاق 10 مارس/آذار: وعود لم تتحقق
في العاشر من مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي اتفاقاً يهدف إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها قسد في الإدارة المركزية للدولة. كان من المفترض أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بحلول نهاية العام الجاري، لكنه لم يتحقق حتى الآن. هذا الفشل في التفعيل يثير تساؤلات حول جدية النوايا لدى الطرفين، والعقبات التي تعترض طريق التنفيذ. المباحثات السورية – قسد تواجه تحديات كبيرة في ترجمة الاتفاق إلى واقع ملموس.
الحكومة السورية الجديدة وجهود الاستقرار
تسعى الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس الشرع، إلى تكثيف جهودها لضبط الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024. ويعتبر ملف قسد من أهم الملفات التي تواجه الحكومة الجديدة، نظراً لأهمية تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا، وتجنب أي فراغ أمني قد يستغله تنظيم داعش أو غيره من الجماعات المتطرفة. تحقيق الاستقرار يتطلب حلاً سياسياً شاملاً، يضمن حقوق جميع السوريين، ويحفظ وحدة الأراضي السورية. الوضع في شمال شرق سوريا يظل معقداً ويتطلب معالجة دقيقة.
آفاق مستقبلية وتحديات قائمة
يبدو مستقبل المباحثات السورية – قسد غير واضح في ظل استمرار الخلافات حول قضايا أساسية مثل اللامركزية، ودمج القوات، وتقاسم السلطة. من المرجح أن يستمر الجمود في الموقف، ما لم يتم إحراز تقدم حقيقي في معالجة هذه الخلافات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدور الإقليمي والدولي، وخاصةً الدور الأمريكي والتركي، سيظل عاملاً مؤثراً في مسار هذه المباحثات. الاستقرار السياسي في سوريا يعتمد بشكل كبير على التوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف.
في الختام، على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال المباحثات السورية – قسد تواجه تحديات كبيرة. يتطلب تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا، ودمج قسد في الدولة السورية، حواراً صريحاً وبناءً، وتنازلات من كلا الطرفين، ودعماً إقليمياً ودولياً يهدف إلى تحقيق حل سياسي شامل ودائم. ندعو إلى استمرار الحوار، والتركيز على المصالح المشتركة، والعمل من أجل مستقبل أفضل لسوريا وشعبها.



