في ظل التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، لا يزال مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة معلقًا بالعديد من التعقيدات السياسية والأمنية. فقد كشف محللون عن تحديات كبيرة تعيق الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل تشكيل قوة استقرار دولية وإدارة مدنية جديدة للقطاع. هذا، في الوقت الذي تتواصل فيه الخروقات الإسرائيلية، وتتباين الرؤى الدولية حول كيفية تنفيذ هذه المرحلة.
تعقيدات تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
أشار خبراء إلى أن غياب وقف إطلاق نار حقيقي على الأرض هو العائق الرئيسي أمام التقدم. ففي حديث له على قناة الجزيرة مباشر، أوضح دوغلاس باندو، كبير الباحثين في معهد كيتو، أن إسرائيل قد انتهكت الهدنة بشكل متكرر، مما يجعل أي حراك سياسي بناء أمرًا صعبًا للغاية. يضاف إلى ذلك، العقبات التي تواجهها واشنطن في ملف نزع سلاح حركة حماس، وهو شرط ترفضه الحركة بشكل قاطع. كما أن الخلافات حول تشكيل قوة حفظ السلام، وعلى وجه الخصوص اعتراض إسرائيل على مشاركة تركيا، تزيد الأمور تعقيدًا. وترغب إسرائيل في أن تكون القوة الدولية غير مخولة في مهام تتعلق بنزع السلاح، وهو أمر يتعارض مع الهدف المعلن من الاتفاق.
باندو انتقد استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية الضرورية إلى غزة، مؤكدًا أن هذه الممارسات تتعارض جوهريًا مع أي حديث جاد عن السلام أو تشكيل حكومة تكنوقراط. إن استمرار المعاناة الإنسانية، بما في ذلك وفيات الأطفال نتيجة القصف والبرد ونقص الإغاثة، يلقي بظلال من الشك على حسن النية في تطبيق الاتفاق. كما أضاف أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تمارس ضغوطًا كافية على إسرائيل لوقف الخروقات، ولم تتحدث عن أي عقوبات محتملة. ويجب على واشنطن الاعتراف بأن إسرائيل هي الطرف الذي يعرقل تنفيذ الاتفاق من خلال استمرار الغارات الجوية والبرية.
القضايا المحورية التي تعترض طريق التقدم
تحتل المباحثات الجارية في ميامي أهمية بالغة، حيث تسعى الأطراف المعنية إلى حسم ثلاث قضايا رئيسية تتعلق بمستقبل الوضع في غزة. الدكتور إبراهيم الخطيب، أستاذ إدارة النزاعات الدولية في معهد الدوحة، أوضح هذه القضايا، وهي: طبيعة وصلاحيات قوة الاستقرار الدولية، وتشكيلة هذه القوة، والجداول الزمنية لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية.
طبيعة وصلاحيات قوة الاستقرار
يجب أن تتفق الأطراف على أن تكون قوة الاستقرار الدولية قوة حفظ سلام وليست قوة احتلال جديدة. يجب أن تقتصر مهامها على الحفاظ على الهدوء والاستقرار في القطاع، مع احترام السيادة الفلسطينية.
تشكيلة قوة الاستقرار الدولية
لا يزال الخلاف قائمًا حول مشاركة تركيا في قوة الاستقرار، وهو ما يتطلب مشاورات مكثفة بين واشنطن والوسطاء الإقليميين، بما في ذلك قطر ومصر وتركيا، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف. الأمن في غزة يتطلب مشاركة فعالة من القوى الإقليمية ذات الثقل، مع مراعاة مصالحها.
إعادة الإعمار وتقديم المساعدات
من الضروري تحديد سقف زمني واضح لإعادة إعمار غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري ودون قيود. يعاني القطاع من دمار هائل، وتحتاج البنية التحتية إلى إعادة تأهيل شاملة. إن توفير المساعدات الإنسانية هو واجب أخلاقي وقانوني، ويجب أن يتمكن جميع المحتاجين من الحصول عليها.
الخطيب أكد أن العامل الحاسم في نجاح المرحلة الثانية يكمن في مدى استعداد الإدارة الأمريكية لممارسة الضغط على إسرائيل، مشيرًا إلى سعي تل أبيب لفرض نزع سلاح حماس دون تقديم أي تنازلات مقابل ذلك. ويرى أن استمرار الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية يعكس محاولة من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لفرض أمر واقع جديد في غزة، حتى في حال وجود قوات دولية.
المساعي المصرية والتركية ودور التكنوقراط
أما السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فقد أوضح أن هناك اتفاقًا مبدئيًا بين الفصائل الفلسطينية والسلطة على تشكيل لجنة تكنوقراطية مكونة من 10 أعضاء غير منتمين لأي من الفصائل لإدارة المرحلة الانتقالية. ونفى هريدي علمه بوجود أي تراجع رسمي عن هذا التفاهم.
وفيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، أشار هريدي إلى أن مهامها منصوص عليها في قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي في أكتوبر الماضي، وملحق بخطة الرئيس الأميركي. وأكد وجود ملاحظات مصرية وقطرية وتركية على كيفية تشكيل هذه القوة وتركيبتها، وأن المشاورات لا تزال مستمرة حول الدول المشاركة فيها.
من جانبه، قال المحلل العسكري التركي يوسف الأبردة إن رفض إسرائيل لمشاركة تركيا في قوة الاستقرار ليس له أي أساس قانوني أو شرعي. وأكد أن غزة ليست أرضًا إسرائيلية، ولا يحق لتل أبيب تحديد الأطراف المشاركة في الاتفاق. ويرى أن إسرائيل تسعى إلى تعطيل المرحلة الثانية لأنها تخشى وجود آلية دولية لمراقبة الخروقات، وكشف الطرف المنتهك لوقف إطلاق النار. إن تأجيل تشكيل قوة الاستقرار يهدف إلى كسب الوقت ومواصلة فرض الواقع على الأرض.
الخلاصة والتحديات المستقبلية
بشكل عام، يبقى نجاح المرحلة الثانية من اتفاق غزة رهنًا بحسم القضايا المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي، وطبيعة قوة الاستقرار، وشكل الإدارة المدنية في غزة. ويجب توفير ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار، ومنع تكرار الخروقات. إن فشل هذه المساعي قد يؤدي إما إلى عودة العنف والتصعيد، أو إلى تكريس واقع أمني هش ومستدام في القطاع.
يجب على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، أن يتحمل مسؤولياته في الضغط على جميع الأطراف للالتزام ببنود الاتفاق، وتنفيذها بحسن نية. إن مستقبل غزة وشعبها يعتمد على تحقيق السلام والاستقرار، وتوفير الحياة الكريمة لهم. لمزيد من التحديثات حول الوضع الإنساني في غزة، تابعونا.



