في تطورات لافتة في قطاع غزة، بدأت تظهر بوادر تسوية داخلية تتعلق بمليشيات عشائرية كانت تتلقى دعماً من الاحتلال الإسرائيلي. شهدت الساعات الـ 48 الماضية تسليم أفراد من هذه المليشيات أنفسهم طوعاً للأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، في خطوة تعكس ضغوطاً متزايدة عليهم وتراجعاً في الدعم الذي كانوا يتلقونه. هذه التطورات، التي تتصدر الأخبار الفلسطينية، تثير تساؤلات حول مستقبل هذه المجموعات المسلحة وتأثيرها على المشهد الأمني في غزة. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه الأحداث، الأسباب الكامنة وراءها، والتداعيات المحتملة، مع التركيز على مصطلح تسليم المطلوبين كونه المحور الرئيسي لهذه التطورات.

تصاعد وتيرة تسليم المطلوبين للأجهزة الأمنية في غزة

أفادت مصادر فلسطينية، نقلتها هيئة البث الإسرائيلية، بتسارع عمليات تسليم المطلوبين من المليشيات العشائرية المعارضة لحماس، خاصةً في مناطق رفح وخان يونس. هذه المناطق كانت تعتبر معقلاً رئيسياً لهذه المجموعات المسلحة التي اتُهمت بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي. المعلومات تشير إلى أن عمليات التسليم الذاتي بدأت تزداد بشكل ملحوظ منذ يوم الجمعة، مما يعكس تحولاً في موقف هذه المليشيات.

دوافع التسليم الذاتي

تتعدد الدوافع التي أدت إلى هذا التحول. فمن جهة، هناك تزايد الضغوط الأمنية التي تمارسها حماس على هذه المجموعات، ومن جهة أخرى، تراجع الدعم الإسرائيلي الذي كانوا يعتمدون عليه. بالإضافة إلى ذلك، لعبت العشائر الفلسطينية دوراً محورياً في إقناع أفراد هذه المليشيات بتسليم أنفسهم، وذلك من خلال رفع الغطاء الاجتماعي عنهم والتأكيد على أن التعاون مع الاحتلال أمر مرفوض. كما أن إعلان حماس عن فتح باب “التوبة” لمدة 10 أيام، مع وعد بمعالجة ملفاتهم وتخفيف إجراءات محاكماتهم، كان له تأثير كبير في تشجيعهم على تسليم المطلوبين أنفسهم.

موقف حماس الرسمي و”باب التوبة”

أعلنت وزارة الداخلية في قطاع غزة عن استعدادها لمعالجة ملفات من يسلمون أنفسهم، مع التأكيد على أن مظلة حماية الاحتلال لن تدوم طويلاً. هذا الإعلان جاء مصحوباً بدعوة صريحة لمن تبقى من أفراد هذه المليشيات إلى تسليم المطلوبين أنفسهم، مؤكدةً أن مصيرهم سيكون الزوال إذا استمروا في طريقهم.

الوزارة شددت على أن الاحتلال فشل في المس بوحدة الشعب الفلسطيني، وأن هذه المجموعات المسلحة بقيت معزولة دون أي دعم شعبي أو مجتمعي. إعلان “باب التوبة” يمثل محاولة من حماس لإعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع، مع التأكيد على ضرورة اعترافهم بخطئهم والتزامهم بالقانون والأعراف الفلسطينية.

دور العشائر الفلسطينية في التسوية

لعبت العشائر الفلسطينية دوراً حاسماً في هذه التطورات. رئيس التجمع الوطني للقبائل والعشائر الفلسطينية، علاء الدين العكلوك، أوضح أن الاحتلال حاول استغلال الانتماءات القبلية والعشائرية لتجنيد أفراد في صفوفه، لكن العشائر تصدت لهذه المحاولات.

العشائر تواصلت مع عائلات المتورطين في هذه المجموعات، وقدمت الدعم لمن يرغب في العودة إلى أحضان شعبه. وقد سجلت العديد من العائلات “مواقف مشرفة” من خلال رفضها التعاون مع الاحتلال، حتى لو كان ذلك يعني تعرضها للقصف والنزوح. كما أن العشائر تعمل حالياً على ترتيبات لإنهاء ملفات الشباب الذين سلّموا أنفسهم، وتتوسط لدى الجهات المختصة لإنهاء إجراءاتهم. هذا الدور يعكس قوة التماسك الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني ورفضه لأي شكل من أشكال الخيانة أو التعاون مع العدو. التركيز هنا على تسليم المطلوبين كخطوة ضرورية لاستعادة الثقة.

تداعيات مقتل ياسر أبو شباب

في سياق متصل، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل قائد إحدى المليشيات المسلحة، ياسر أبو شباب، شرقي رفح. ملابسات قتله لا تزال غامضة، وتضاربت الأنباء حول كيفية وقوعه. ياسر أبو شباب كان شخصية بارزة في المشهد الأمني في غزة، وقد برز اسمه بعد استهداف كتائب عز الدين القسام لقوة من “المستعربين” شرق رفح، حيث تبين أنهم كانوا يعملون مع مجموعة من العملاء المجندين لصالح الاحتلال. مقتله يمثل ضربة لهذه المليشيات، وقد يساهم في تسريع وتيرة تسليم المطلوبين من باقي أفرادها.

مستقبل المليشيات العشائرية في غزة

تُشير هذه التطورات إلى أن مستقبل المليشيات العشائرية في غزة يبدو قاتماً. فقد فقدت هذه المجموعات المسلحة الكثير من الدعم الذي كانت تتلقاه، وأصبحت تحت ضغط أمني متزايد من قبل حماس. عملية تسليم المطلوبين الجارية قد تؤدي إلى تفكيك هذه المليشيات بشكل كامل، وإعادة دمج أفرادها في المجتمع.

ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال ظهور مجموعات مسلحة جديدة في المستقبل، خاصةً إذا استمرت الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة في غزة. لذلك، من الضروري أن تعمل حماس على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع بعض الأفراد إلى الانضمام إلى هذه المجموعات، وأن تسعى إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة تنهي الانقسام الفلسطيني وتعزز الوحدة الوطنية. النجاح في هذه المهمة سيعتمد بشكل كبير على قدرة حماس على كسب ثقة الشعب الفلسطيني وتوفير الأمن والاستقرار للجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version