أوروبا تتحول إلى مركز عالمي للكوكايين: تحديات متزايدة وسياسات عاجزة

يشهد القارة الأوروبية تحولاً تاريخياً في ملف المخدرات، حيث أصبحت مركزاً عالمياً لتجارة الكوكايين، متجاوزةً بذلك أمريكا الشمالية. هذا التحول يضع السياسات الحالية أمام تحديات معقدة، تتداخل فيها الجريمة المنظمة مع العولمة والتحولات الاجتماعية، مما يستدعي إعادة تقييم شاملة للتعامل مع هذه الظاهرة المتنامية. تشير التقارير إلى أن حجم تجارة الكوكايين في أوروبا يبلغ حوالي 12 مليار يورو سنوياً، مع أكثر من 6 ملايين مستهلك، في حين تتزايد كميات المضبوطات بشكل ملحوظ.

تصاعد أزمة الكوكايين في أوروبا: أرقام وإحصائيات مقلقة

تُظهر الإحصائيات ارتفاعاً غير مسبوق في مستويات إنتاج واستهلاك الكوكايين عالمياً. تقدر الأمم المتحدة عدد متعاطي الكوكايين بما لا يقل عن 25 مليون شخص، منهم حوالي 6 ملايين في أوروبا، وهو ما يمثل ضعف الأرقام المسجلة قبل عقدين من الزمن. هذا الارتفاع يعكس تحولاً جذرياً في سوق تجارة الكوكايين، من النموذج التقليدي الذي يرتكز على أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، إلى عولمة غير مسبوقة جعلت أوروبا سوقاً محورياً جديداً.

عوامل ساهمت في التحول نحو أوروبا

هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في هذا التحول. أولاً، تشديد الرقابة في الأمريكيتين. ثانياً، تفكك الكارتلات الكبرى. وثالثاً، إشباع السوق الأمريكية، مما دفع المهربين إلى البحث عن أسواق أكثر ربحية. الفارق السعري الكبير بين كولومبيا (1400 دولار للكيلوغرام) وأوروبا (39 ألف دولار) يجعل أوروبا وجهة مغرية للغاية للمهربين.

بلجيكا وميناء أنتويرب: البوابة الرئيسية للكوكايين إلى أوروبا

أصبحت بلجيكا، وبالأخص ميناء أنتويرب، البوابة الأساسية لدخول الكوكايين إلى القارة الأوروبية. فمنذ عام 2019 وحتى 2024، تمت مصادرة أكثر من 500 طن من الكوكايين، معظمها في أنتويرب الذي يستقبل شحنات مباشرة من أمريكا اللاتينية أو عبر غرب أفريقيا.

تحديات التفتيش في ميناء أنتويرب

تكمن المشكلة في ضخامة الميناء، حيث يستقبل حوالي 14 مليون حاوية سنوياً، مما يجعل التفتيش الكامل شبه مستحيل. على الرغم من أن نسبة التفتيش في أنتويرب أعلى من المتوسط العالمي، إلا أن أكثر من 90% من الكوكايين الذي يصل بحراً إلى أوروبا يدخل عبر هذا الميناء، مما يجعله بيئة مثالية لعمليات التهريب. هذا التدفق الضخم حول المدينة إلى ما يطلق عليه السكان المحليون “عاصمة الكوكايين الأوروبية”، مع تزايد معدلات التعاطي والعنف المرتبط به.

شبكات الجريمة المنظمة وتوسع نطاق التهريب

تنشط أكثر من 440 عصابة مخدرات على حدود الاتحاد الأوروبي، وتعتبر الشبكات الألبانية والبلجيكية والهولندية والإيطالية والإسبانية الأكثر نفوذاً في سوق الكوكايين. تتميز هذه الشبكات بمرونتها العالية، حيث تعمل من خلال خلايا صغيرة مستقلة لا يتجاوز عدد أفرادها عادة 10 أشخاص، ولكل منها دور محدد في سلسلة التهريب. كما تميل هذه الشبكات إلى التعاون مع بعضها البعض لتجنب لفت الانتباه.

دور الإكوادور في شبكة التهريب العالمية

يمتد نشاط هذه الشبكات لعقود، مع تركيز وجودها في دول محورية مثل بلجيكا والإكوادور. فقد أصبحت الإكوادور نقطة انطلاق لنحو 70% من الكوكايين العالمي، وفقاً لرئيسها. هذا يشير إلى أن الإكوادور تلعب دوراً محورياً في تسهيل تهريب المخدرات إلى أوروبا.

انتشار التعاطي العلني واستخدام التقنيات الحديثة

بالإضافة إلى ذلك، يشهد انتشار التعاطي العلني للكوكايين في مدن أوروبية مثل بروكسل ارتفاعاً ملحوظاً. لم يعد الحصول على الكوكايين يقتصر على الأساليب التقليدية، بل امتد ليشمل المنصات الرقمية الحديثة مثل “الإنترنت المظلم” وتطبيقات المراسلة التي توفر خدمات التوصيل وعروضاً ترويجية. هذا التطور يجعل من الصعب على السلطات تتبع عمليات البيع والشراء ومكافحة هذه الظاهرة.

الحاجة إلى استراتيجيات جديدة لمكافحة تجارة الكوكايين

يتضح من خلال هذه المعطيات أن أوروبا تواجه أزمة كوكايين متصاعدة تتطلب استراتيجيات جديدة وشاملة لمكافحتها. يجب على الدول الأوروبية التعاون بشكل وثيق لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمواجهة هذه الجريمة المنظمة العابرة للحدود. بالإضافة إلى ذلك، يجب الاستثمار في برامج الوقاية والتوعية لتقليل الطلب على المخدرات، وتوفير العلاج والدعم للمتعاطين. كما يجب تعزيز الرقابة على الموانئ والمطارات، وتطوير التقنيات المستخدمة في الكشف عن المخدرات.

في الختام، إن التحول الذي تشهده أوروبا في ملف الكوكايين يمثل تحدياً كبيراً يتطلب استجابة سريعة وحاسمة. من خلال تبني استراتيجيات مبتكرة وتعاون دولي فعال، يمكن لأوروبا أن تواجه هذه الأزمة وتحمي مجتمعاتها من خطر المخدرات وتأثيراتها المدمرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version