في ساعة متأخرة من الليلة الماضية، اغتيل عضو مجلس محافظة بغداد والمرشح عن تحالف السيادة للانتخابات النيابية صفاء حجازي المشهداني، مع اثنين من مرافقيه في انفجار عبوة ناسفة استهدفت مركبته، خلال توقفه لتناول العشاء في أحد المطاعم بمدينة الطارمية شمال العاصمة بغداد.
لم تكن الحادثة مجرد جريمة قتل عادية، بل رسالة سياسية دموية موجهة لتأكيد نفوذ قوى السلاح المنفلت في وجه المناهضين لها.

مواقف مناهضة للجماعات المسلحة

لذلك لم يكن اغتيال المشهداني المرشح عن «تحالف السيادة»، وهو ائتلاف سني رئيسي عُرف بمواقفه الصريحة المناهضة للجماعات المسلحة ودعوته لحصر السلاح بيد الدولة، «خيارا عشوائيا».
وعلى ما يبدو، فإن انتقادات المشهداني العلنية الأخيرة لملف تهجير أهالي جرف الصخر، وهي قضية حساسة تمثل نموذجاً لسيطرة فصائل مسلحة تسعى لتكراره في مناطق أخرى، منها الطارمية التي ينحدر منها. هذا الموقف وضعه في مسار تصادمي مباشر مع مشاريع الهيمنة والتغيير الديموغرافي التي تقودها تلك القوى.
تخضع منطقة الطارمية التي اغتيل فيها المشهداني لسيطرة تامة من قبل فصيل يتبع جماعة «حركة النجباء»، وسبق لهذا الفصيل أن رفض دخول أية قوة عسكرية إلى المنطقة الخاضعة له سواءً من قوات الجيش العراقي أو جهاز مكافحة الإرهاب.

نموذج «جرف الصخر»

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب قيام «فصيل النجباء» بمنع قوة مشتركة من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب من استرداد طائرة مسيرة يتم استخدامها في الاستطلاع الجوي لمطاردة فلول تنظيم داعش في المنطقة.
وتشير بيانات متقاطعة إلى أن منطقة المنع في الطارمية تحتوي على مبان ومصالح يتم استخدامها لصالح اللواء 12 حشد شعبي ويرفضون السماح حتى للجيش العراقي من الاقتراب منها.
اختيار الطارمية، مكانا للاغتيال وهي ليست مجرد منطقة عادية، إذ إنها تربط بغداد بمحافظات صلاح الدين وديالى والأنبار، والسيطرة على هذا «الحزام الشمالي» لبغداد يمثل هدفا طويل الأمد للفصائل المسلحة، التي أعلنت صراحة نيتها تطبيق «نموذج جرف الصخر» هناك، بما يعنيه ذلك من تهجير وإحكام للسيطرة الأمنية خارج سلطة الدولة.
كان المشهداني، بمواقفه الشعبية والسياسية، عقبة أمام هذا المشروع، فكان لا بد من تصفيته، كما تحدث العديد من أقاربه على وسائل التواصل الاجتماعي.

الانتخابات.. أمام اختبار حاسم

ويأتي هذا الاغتيال في سياق من العنف السياسي الممنهج وثقافة الإفلات من العقاب، خصوصا بعد حملة اغتيال الناشطين التي تلت احتجاجات تشرين 2019، إلا أن استهداف مرشح ينتمي لكتلة برلمانية كبرى يمثل تصعيداً خطيراً، وينقل الصراع من الشارع إلى داخل أروقة السلطة.
هذه العملية تثبت أن بعض الجهات تشعر بأنها فوق القانون لدرجة أنها تستطيع تصفية منافسيها الانتخابيين دون خشية من العواقب.
إن اغتيال صفاء المشهداني، وهو الأول من نوعه الذي يستهدف مرشحاً في هذه الدورة الانتخابية، يلقي بظلال قاتمة على الانتخابات القادمة. إنه يبعث برسالة واضحة للمرشحين الآخرين، ويقوض ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حمايتهم وتأمين عملية ديمقراطية حقيقية.
يقف العراق اليوم أمام اختبار حاسم، فإما أن تفرض الدولة سيادتها وتقدم الجناة الحقيقيين للعدالة، أو تترك الساحة لقانون القوة الذي يهدد بتمزيق ما تبقى من نسيجها السياسي والاجتماعي.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version