توقعت صحيفة «التايمز»البريطانية، فشل خطة احتلال غزة التي تستعد إسرائيل لتنفيذها منتصف سبتمبر القادم، مؤكدة أنها ليست سوى نسخة مكررة من محاولات سابقة انتهت إلى الفشل، لأسباب جوهرية لا تزال قائمة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

وأكدت أن الخطة الجديدة تبدو أقرب إلى محاولة للهروب إلى الأمام، وليست إستراتيجية حقيقية للحسم، إذ إن غياب رؤية سياسية لما بعد حماس، ومعضلة الرهائن، وصعوبة القتال في بيئة حضرية مكتظة، إلى جانب الضغوط الداخلية والدولية، تجعل «النصر الكامل» هدفًا وهميًا.

وعددت الصحيفة أبرز الأسباب التي تجعل «النصر الكامل» الذي يروّج له رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو هدفًا بعيد المنال، ومنها: معضلة الرهائن، وتشير التقديرات إلى أن عدد الرهائن المتبقّين لدى حماس نحو 50 شخصا، بينهم 30 يُعتقد أنهم قُتلوا و20 على قيد الحياة.

وأفادت الصحيفة بأن هذه الحقيقة تفرض قيدا ثقيلا على أي قرار عسكري، فالهجوم على المناطق المكتظة، وخصوصا المخيّمات الوسطى التي يُحتجز بعض الرهائن داخلها، قد يؤدي إلى مقتلهم.

ولفتت إلى تجربة سابقة في النصيرات، ففي يونيو الماضي، نجحت وحدة إسرائيلية خاصة في تحرير 4 رهائن، لكن العملية تسببت بمقتل أكثر من 270 فلسطينيا.

وأكدت أن مثل هذه النتائج تجعل أي عملية جديدة محفوفة بالمخاطر، وتثير السؤال: كيف يمكن القضاء على حماس دون التضحية بمن تسعى إسرائيل إلى إنقاذهم؟

وتحدثت «التايمز» عن غياب رؤية لليوم التالي، فرغم شعارات القضاء على حماس، لا تقدّم حكومة نتنياهو أي تصور لمرحلة ما بعد الحرب. فلا توجد خطة لإدارة غزة، ولا آلية لحكم مليوني فلسطيني يعيشون في ظروف نزوح مستمرة. وحتى اليوم، ترفض إسرائيل إشراك السلطة الفلسطينية أو أي إطار دولي كبديل مدني.

واعتبرت أن هذا الفراغ السياسي يعني أن أي «انتصار عسكري» سيتحوّل سريعا إلى فوضى تعيد إنتاج حماس أو حركات أخرى. فالتاريخ أثبت أن تفريغ الساحة دون بديل سياسي دائم يؤدي فقط إلى إعادة تشكيل المقاومة في أشكال أكثر صلابة.

ولفتت الصحيفة إلى أن غزة مدينة كثيفة ذات بنية تحتية معقّدة من الأنفاق والأحياء المتلاصقة. ومنذ عام 1948، تحولت المخيمات إلى بؤر للمقاومة، وهو ما يجعلها أرضا مثالية لحرب العصابات.

وأظهرت التجارب السابقة في أحياء مثل الزيتون وجباليا أن سيطرة جيش الاحتلال مؤقتة، فمقاتلو حماس ينسحبون عند الاقتحام ثم يعودون بعد انسحاب القوات. «لعبة الكرّ والفرّ» هذه تحوّل الاحتلال الكامل إلى عملية استنزاف مستمرة، غير قابلة للاستدامة عسكريا أو سياسيا.

ولفتت إلى أن أي عملية عسكرية واسعة النطاق تعني نزوح مئات الآلاف من المدنيين. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن خطة سبتمبر تشمل إصدار أوامر إخلاء لمليون فلسطيني.

وتوقعت أن تثير صور النزوح الجماعي والدمار الشامل موجة جديدة من الغضب الدولي، خصوصا مع تزايد الانتقادات الأوروبية والأمريكية للحرب.

ولفتت إلى أنه حتى داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، هناك إدراك بأن العملية لا يمكن أن تبدأ من دون «غطاء شرعي دولي». لكن بالنظر إلى حجم الكارثة الإنسانية المتوقعة، يبدو الحصول على هذا الغطاء شبه مستحيل.

ولفتت إلى وجود انقسام داخلي واستنزاف سياسي، إذ خرج آلاف المتظاهرين في تل أبيب ضمن احتجاجات أسبوعية تطالب بصفقة عاجلة للإفراج عن الرهائن. ويرى الكثير من عائلات الأسرى أن توسيع الهجوم لن يؤدي إلا لتعريضهم لمزيد من الخطر.

وأكدت أن هذا الضغط الشعبي يعكس انقساما عميقا داخل المجتمع الإسرائيلي بين من يطالب بالحسم العسكري، ومن يرى أن السبيل الوحيد هو التفاوض مع حماس.

وكشفت عن مأزق المفاوضات، إذ وافقت حماس هذا الأسبوع على صفقة جزئية تتضمن الإفراج عن 10 رهائن أحياء وجثامين 18 آخرين مقابل هدنة لمدة 60 يوما، إلا أن نتنياهو رفض العرض، مصرا على الإفراج عن جميع الرهائن دفعة واحدة.

واعتبرت التايمز أن هذا الرفض يعكس تناقضا جوهريا في الموقف الإسرائيلي: فبينما تسعى الحكومة إلى استعادة الرهائن عبر العمل العسكري، فإنها تغلق الباب أمام أي تسوية قد تؤدي إلى إنقاذهم دون سفك مزيد من الدماء، وهكذا تبدو إسرائيل وكأنها تراهن على معركة لا يمكن أن تحقق فيها أهدافها الكاملة.

واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها بالحديث عن فشل الإستراتيجيات السابقة، وقالت: منذ اندلاع الحرب، نفّذت إسرائيل عمليات متكررة تحت مسميات مختلفة، لكنها جميعًا توقفت عند أبواب غزة والمخيّمات الوسطى. ولم يكن السبب نقصا في القوة العسكرية، بل غياب الإجابة عن السؤال الأساسي: كيف يمكن هزيمة حركة متجذّرة بين المدنيين من دون التسبب في كارثة إنسانية أو الإضرار بالرهائن؟

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version