Published On 8/12/2025 8/12/2025|آخر تحديث: 9/12/2025 10:34 (توقيت مكة)آخر تحديث: 9/12/2025 10:34 (توقيت مكة)
الوضع في السودان يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، ومع استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، تظهر تطورات مقلقة على الحدود الشرقية للبلاد. كشفت مصادر رسمية سودانية عن تحركات إثيوبية مثيرة للقلق، تتضمن السماح بإنشاء معسكر لتدريب قوات الدعم السريع ومرتزقة أجانب، مما يهدد بفتح جبهة عسكرية جديدة في إقليم النيل الأزرق. هذه التطورات تثير مخاوف جدية بشأن الأمن الإقليمي وتزيد من صعوبة التوصل إلى حل سلمي للأزمة السودانية.
## تصعيد التوترات: معسكر تدريب الدعم السريع في إثيوبيا
وفقًا للمصادر الحكومية السودانية، بدأت السلطات الإثيوبية في التنسيق العسكري مع قوات الدعم السريع من خلال قوى إقليمية تدعمها. يشمل هذا التنسيق تحديد خطوط إمداد وإنشاء معسكرات تدريب، بالإضافة إلى تجهيز مهابط طائرات. المدينة الرئيسية التي تشهد هذه التحركات هي أصوصا، عاصمة إقليم بني شنقول قمز، والتي تقع بالقرب من سد النهضة السوداني. هذا القرب الجغرافي يزيد من حساسية الوضع ويضع ضغوطًا إضافية على الخرطوم.
### تدفق المقاتلين والمركبات إلى المعسكر
بدأ بالفعل تدفق المركبات القتالية والمنظومات المدفعية وأجهزة التشويش إلى المعسكر عبر أصوصا. الأرقام المتداولة تشير إلى أن المعسكر يستوعب أكثر من 10 آلاف مقاتل، يتلقون تدريبًا مكثفًا تحت إشراف الجنرال الإثيوبي غيتاتشو غودينا، وبمساعدة ضباط أجانب من دول تدعم قوات الدعم السريع. هذا التدريب والتجهيز يمثل تهديدًا مباشرًا لإقليم النيل الأزرق، الذي يشهد بالفعل توترات أمنية.
### عناصر أجنبية في صفوف الدعم السريع
لا يقتصر التدريب في المعسكر الإثيوبي على عناصر من الدعم السريع فحسب، بل يشمل أيضًا مرتزقة أجانب من دول مختلفة. تشير التقارير إلى وجود مرتزقة من جنوب السودان ودول أمريكا اللاتينية، وعلى رأسهم مقاتلون كولومبيون. هؤلاء المقاتلون، بالإضافة إلى عناصر الدعم السريع الفارين من جبهات القتال في السودان، يتم تجميعهم وترحيلهم من دارفور إلى إثيوبيا. الإمدادات اللوجستية اللازمة للمعسكر تصل عبر مينائي بربرة الصومالي ومومباسا الكيني، ثم يتم نقلها إلى داخل إثيوبيا.
## التنسيق الاستخباراتي ودعم الحركة الشعبية
الأمر لا يتوقف عند التدريب والإمداد المادي، بل يمتد ليشمل التنسيق الاستخباراتي. كشفت المصادر الحكومية عن وجود تنسيق استخباراتي بين الجيش الإثيوبي وقوات الدعم السريع والجيش الشعبي، الذراع العسكرية للحركة الشعبية-شمال بقيادة جوزيف توكا. تنتشر قوات توكا في جيوب داخل إقليم النيل الأزرق وتنشط في الشريط الحدودي مع ولاية أعالي النيل في جنوب السودان.
وقد تلقت قوات جوزيف توكا مؤخرًا طائرات مسيرة، استخدمت في استهداف مدينتي الدمازين والكرمك انطلاقًا من مناطق يابوس ومكلف وبليلة. تُسلّم الأسلحة والمعدات القتالية والإمدادات اللوجستية عبر حاضرة إقليم بني شنقول إلى قرى أبورامو وشرقولي وأهوفندو ثم قشن، الواقعة على بعد 30 كيلومترًا من مدينة يابوس السودانية. كما يتم نقل إمدادات الطائرات المسيرة جوًا.
## تحذيرات من تداعيات خطيرة
يعتقد المحلل السياسي إسماعيل الأمين أن هذه التطورات تمثل تحولًا خطرًا في نمط التدخلات الإقليمية في الأزمة السودانية. ويحذر من أنه إذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع بجدية من خلال تحرك سوداني وإقليمي ودولي فاعل، فإن الحرب ستدخل مرحلة جديدة أكثر دموية، وستهدد الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي. فالسودان وإثيوبيا هما أكبر دول الإقليم، وموقعهما الجيوسياسي يجعلهما محوريين في أي صراع.
الأمين يرى أن أديس أبابا قد لا تمتلك القدرة المالية لخوض حرب كبيرة جديدة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والتوترات الداخلية. لكنه يؤكد أن الانخراط العسكري الإثيوبي في الأزمة السودانية قد يكون مصدرًا لمزيد من عدم الاستقرار داخل إثيوبيا، حيث تمتلك الخرطوم أوراق ضغط يمكن أن تؤذي جارتها أمنيًا بسبب التداخل الحدودي وانتشار الجماعات المسلحة المعارضة.
## “شد الأطراف” واستعادة التوازنات الإقليمية
يصف الكاتب والمحلل السياسي يوسف عبد المنّان ما يحدث على الحدود السودانية الشرقية بسياسة “شد الأطراف”، حيث تتلقى قوات الدعم السريع إمدادات عسكرية ولوجستية عبر الحدود مع ليبيا، أفريقيا الوسطى، تشاد، جنوب السودان، وإثيوبيا. ويشبه هذه التطورات بما حدث في منتصف التسعينيات، عندما سعت واشنطن لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير من خلال دعم قوات الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق.
منذ بداية الحرب في السودان، اتسم موقف إثيوبيا بالتقارب مع الدعم السريع والقوى السياسية المتحالفة معها، واستضافت مسؤولين من هذه القوى خلال قمة إيغاد في يوليو 2023. وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد غضب الخرطوم، حيث ادعى وجود فراغ في القيادة السودانية وطالب بنشر قوات أفريقية وفرض منطقة حظر طيران.
ومع ذلك، قام آبي أحمد بزيارة بورتسودان في يوليو 2024 لإذابة الجليد مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، والتوسط لاحتواء التوتر بين الخرطوم وأبوظبي. كما زار مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين بورتسودان في مهمة لم يتم الكشف عن نتائجها بعد. هذه التحركات تشير إلى محاولة إثيوبية لإعادة التوازن في علاقاتها مع الأطراف المتنازعة في السودان.
في الختام، الوضع على الحدود السودانية الشرقية يمثل تصعيدًا خطيرًا للأزمة السودانية، ويهدد بفتح جبهة جديدة للقتال. يتطلب هذا الوضع تحركًا سريعًا وحاسمًا من السودان والمجتمع الإقليمي والدولي لمنع تفاقم الأزمة وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة. من الضروري إيجاد حلول سياسية شاملة تعالج جذور الصراع وتضمن مشاركة جميع الأطراف في بناء مستقبل السودان.



