في خطوة تثير مخاوف متزايدة بشأن الخصوصية والحريات المدنية، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تعديل قانوني يسمح باستمرار صلاحيات الجيش وجهاز الأمن الداخلي “الشاباك” لاختراق كاميرات المراقبة الخاصة حتى بعد انتهاء حالة الحرب الرسمية. هذا التعديل، الذي أثار جدلاً واسعاً، يوسع من نطاق صلاحيات المراقبة الأمنية، ويفتح باباً لتساؤلات حول التوازن بين الأمن والحقوق الشخصية في إسرائيل. آخر تحديث لهذه المعلومات كان في 16:06 (توقيت مكة).

تمديد صلاحيات الاختراق: ما الذي تغير؟

القانون الأصلي، الذي تم إقراره بعد شهرين من بدء الحرب على قطاع غزة، منح الأجهزة الأمنية الإسرائيلية صلاحية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر المتصلة بكاميرات المراقبة الثابتة واختراقها دون علم أصحابها أو الحصول على موافقتهم. كان الهدف المعلن هو منع تسلل عناصر معادية إلى البيانات البصرية التي تسجلها هذه الكاميرات، والتي قد تكشف عن معلومات حساسة تتعلق بأمن الدولة وتحركات الجيش.

الآن، يهدف التعديل الجديد إلى جعل هذه الصلاحيات الاستثنائية دائمة، بدلاً من كونها إجراءً مؤقتاً مرتبطاً بالظروف الأمنية الطارئة. وبحسب الصحفي أوري بلاو من موقع “شومريم” الإخباري، فإن التعديل يقترح تمديد الصلاحيات لمدة عام إضافي، مع حذف أي إشارة إلى “العمليات العسكرية المهمة” أو “الحرب المتعددة الجبهات” كشرط لاستخدامها. هذا يعني أن عمليات الاختراق والمراقبة يمكن أن تتم في أي وقت، حتى في ظل الظروف الاعتيادية.

التبريرات الأمنية وراء التعديل

تبرر الجهات الأمنية الإسرائيلية هذا التعديل بالقول إن طبيعة الفضاء الإلكتروني المعقدة تتطلب أدوات استثنائية لمواجهة التهديدات المستمرة. وتشير المذكرة القانونية إلى أن ساحة القتال الإلكترونية ستظل نشطة، مما يستدعي الإبقاء على هذه الصلاحيات وتوسيعها.

بالإضافة إلى ذلك، تأتي هذه الخطوة في ظل اتهامات متبادلة بشن هجمات إلكترونية، حيث أفادت بلومبرغ أن إيران اخترقت كاميرات أمنية داخل إسرائيل لجمع معلومات استخباراتية. هذا التصعيد في التهديدات السيبرانية يعزز، من وجهة نظر إسرائيلية، الحاجة إلى تعزيز القدرات الأمنية في هذا المجال.

مخاوف حقوقية وقانونية متزايدة

على الرغم من التبريرات الأمنية، أثارت هذه الخطوة قلقاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والمدنية الإسرائيلية. يرى المنتقدون أن استمرار هذه الصلاحيات بعد الحرب يعيد تعريف مفهوم الخصوصية ويخلق سوابق خطيرة قد تستغل لمراقبة المواطنين في الظروف العادية.

“المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أعرب عن تحفظاته على القانون، محذراً من تداعياته على الحريات المدنية. ويؤكد المعهد أن الحاجة الأمنية لا تبرر منح صلاحيات واسعة النطاق دون قيود واضحة. كما طالب بتوضيح ما إذا كان القانون يقتصر على كاميرات المراقبة في الأماكن العامة أم يشمل أيضاً الأنظمة الخاصة، لما في ذلك من تبعات على الخصوصية الشخصية.

تقليص النطاق: محاولة لتهدئة الغضب؟

في محاولة لامتصاص موجة الانتقادات، تقترح المذكرة القانونية تقليصاً محدوداً لنطاق الصلاحيات الممنوحة للجيش والشاباك. بالنسبة للجيش، ستقتصر الصلاحيات على الحفاظ على “استمرارية العمل العملياتي”. أما بالنسبة للشاباك، فستُعاد صياغة المبررات لتصبح أكثر تحديداً، وتركز على منع المساس بأمن الدولة وحماية الأفراد والمنشآت.

ومع ذلك، ترى جهات حقوقية أن هذا التحديد يبقى عاماً وغير كافٍ، وقد يسمح باستمرار الممارسات ذاتها تحت مسميات أكثر دقة.

هل هناك بدائل؟

يتساءل خبراء الأمن عن سبب لجوء السلطات الإسرائيلية إلى الاختراق بدلاً من اتباع المسار القانوني التقليدي، مثل الحصول على أمر قضائي للتنصت أو جمع البيانات. كما يشيرون إلى أن السلطات كان يمكنها معالجة المشكلة من خلال سن تشريعات تنظم استخدام كاميرات المراقبة وتلزم الشركات بتغيير كلمات المرور الافتراضية غير الآمنة.

الأستاذ عيران توخ من جامعة تل أبيب وصف التعديل بأنه “خدعة” لأنه لا يقدم تفسيراً واضحاً لأسباب وكيفية عمليات الاختراق، ولا يحدد الحالات التي يتم فيها استخدام هذه الصلاحيات. ويرى توخ أن الحل يكمن في الانتقال من الحلول الطارئة إلى بنية تنظيمية شاملة تعالج جذور المشكلة وتحمي حريات المواطنين.

الخلاصة: مستقبل الخصوصية في إسرائيل

يمثل تعديل قانون اختراق كاميرات المراقبة تحولاً كبيراً في السياسة الأمنية الإسرائيلية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الخصوصية والحريات المدنية في البلاد. بينما تبرر الحكومة هذه الخطوة بالضرورة الأمنية، يرى المنتقدون أنها تمثل تقويضاً للحقوق الأساسية وتوسعاً مفرطاً في صلاحيات المراقبة. من الواضح أن هذا النقاش سيستمر في التصاعد، وسيتطلب حواراً مفتوحاً وشفافاً بين الحكومة والمجتمع المدني لإيجاد حلول تحترم كل من الأمن والحريات الفردية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version