تصاعد الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة: تحليل عسكري ورفض دولي

مع استمرار التوتر في قطاع غزة، واندلاع الاشتباكات المتفرقة على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، تتزايد المخاوف من استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل كامل. يشهد القطاع خروقات متكررة للاتفاق، تتراوح بين القصف الجوي و إطلاق النار المدفعي، مما يهدد الاستقرار الهش. هذا المقال سيتناول تحليلًا للخبير العسكري حول هذه الخروقات الإسرائيلية، الأسباب الكامنة وراءها، والرفض الدولي المتزايد للوضع الراهن، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة على مستقبل غزة والمنطقة. تأتي هذه التطورات في ظل أزمة إنسانية حادة، وتصاعد في عدد الضحايا، مما يجعل البحث عن حل مستدام أمرًا بالغ الأهمية.

“عربدة” عسكرية دون محاسبة: تقييم للوضع الميداني

العقيد حاتم كريم الفلاحي، خبير عسكري وإستراتيجي، وصف الممارسات الإسرائيلية في غزة بأنها “عربدة” عسكرية متواصلة تنأى عن أي شكل من أشكال المحاسبة. وأكد أن القصف الدائم ليس مجرد أخطاء عابرة، بل هو عمل ممنهج يهدف إلى الضغط على الفلسطينيين وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.

الفلاحي أوضح خلال تحليله على قناة الجزيرة، أن غياب آليات واضحة ومُلزمة لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار، إلى جانب عدم محاسبة إسرائيل على خروقاتها، يشجعانها على الاستمرار في سياساتها العدوانية. وشدد على أن القذيفة المدفعية الواحدة قادرة على إحداث دمار واسع النطاق، حيث يمكن أن تتشظى لمسافة تزيد عن 250 مترًا، مما يزيد من خطر وقوع إصابات ووفيات في المناطق المكتظة بالسكان.

استهداف البنية التحتية المدنية

تتضمن الخروقات الإسرائيلية استهدافًا متزايدًا للبنية التحتية المدنية، كما تجلى في قصف مدرسة تؤوي نازحين في حي التفاح شرق مدينة غزة. هذا الاستهداف، الذي وقع خارج المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بموجب الاتفاق، أدى إلى استشهاد خمسة فلسطينيين، من بينهم أطفال، وإصابة آخرين. هذا الحادث يشير إلى تجاهل واضح لحياة المدنيين، وتصعيد في حدة العنف.

أسباب استمرار الخروقات الإسرائيلية: منظور استراتيجي

يرى الخبير العسكري أن إسرائيل لم تلتزم ببنود اتفاق وقف إطلاق النار منذ البداية. بالإضافة إلى القصف الجوي والمدفعي المستمر، تشمل الخروقات منع دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الأدوية والمواد الغذائية والخيام، وعمليات الاغتيال التي تتم في القطاع دون أي مساءلة قانونية.

هذا السلوك لا يقتصر على غزة فحسب، بل يمتد ليشمل الجبهتين السورية واللبنانية. وتتعلق هذه التصرفات، من وجهة نظر الفلاحي، برغبة إسرائيل في الحفاظ على قدرتها على المناورة العسكرية، وتجنب أي قيود على عملياتها. كما أشار إلى أن إسرائيل تنظر بقلق إلى النفوذ المتزايد لتركيا في المنطقة، وتخشى أن يحل النفوذ التركي محل النفوذ الإيراني في سوريا، مما يدفعها لرفض مشاركة القوات التركية في أي قوة دولية مستقبلية في غزة.

الرفض الدولي والتباين في المواقف

أكد الخبير العسكري أن العديد من الدول ترفض أو تتردد في إرسال قوات للمنطقة، لأنها تدرك جيدًا أن إسرائيل لن تلتزم بأي اتفاق لوقف إطلاق النار. هذا التردد يعكس شعورًا عامًا باليأس من إمكانية تحقيق سلام دائم.

وتفاقم هذا الرفض بعد ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين وتدهور الوضع الإنساني في غزة. قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وثقت بآلاف الخروقات الجوية الإسرائيلية، مما يعزز المخاوف من تكرار السيناريو المأساوي في غزة.

تفاصيل الخروقات والأرقام الموثقة

أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن تل أبيب ارتكبت حوالي 738 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ، مما أسفر عن مقتل 400 فلسطيني. هذه الأرقام الموثقة تؤكد خطورة الوضع، وتعكس حجم الضرر الذي لحق بالمدنيين الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، يُقدر عدد الجرحى بأكثر من 171 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء.

وشدد مراسل الجزيرة شادي شامية على أن القصف الإسرائيلي استهدف مناطقًا يفترض أنها آمنة، مشيرًا إلى أن القذائف سقطت على مدرسة كانت تستضيف حفل زفاف في حي التفاح.

التداعيات المحتملة ومخاطر التصعيد

حذر العقيد الفلاحي من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، واليمين المتطرف يسعون إلى استئناف العمليات العسكرية بحجة “تحقيق أهداف الحرب” في غزة، ويحاولون إلقاء اللوم على حركة حماس في أي تصعيد محتمل.

هذا السعي للاستئناف يهدد بتقويض جهود السلام، وتعميق الأزمة الإنسانية. إن العودة إلى الحرب الشاملة ستخلف وراءها دمارًا هائلاً، وتزيد من عدد الضحايا، وتعرقل أي فرصة لإعادة إعمار غزة، التي تتطلب، بحسب الأمم المتحدة، حوالي 70 مليار دولار. من الضروري توافر ضغوط دولية حقيقية وفعالة لوقف هذه الخروقات الإسرائيلية وتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني.

نحو حل مستدام: دعوة للتحرك الدولي

إن استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في المنطقة. يتطلب الوضع الحالي تدخلًا دوليًا عاجلاً لوقف العنف، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة للمتضررين. يجب على المجتمع الدولي أن يمارس ضغوطًا حقيقية على إسرائيل للالتزام ببنود الاتفاق، واحترام حقوق الفلسطينيين. وبدون حل عادل ودائم، لن يكون هناك سلام حقيقي في غزة والمنطقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version