بعد تتبع دقيق وعملية أمنية محكمة، أعلنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة إدلب، بالتعاون مع إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز الاستخبارات العامة، عن القبض على خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه الخلية كانت مسؤولة عن سلسلة عمليات إرهابية متفرقة أدت إلى استشهاد سبعة عناصر من الجيش والأمن السوريين. العملية، التي تأتي في سياق جهود مستمرة لمكافحة الإرهاب في سوريا، تؤكد على تصميم الحكومة السورية على استعادة الأمن والاستقرار في جميع المناطق.

عملية القبض على خلية داعش في إدلب ودمشق

بدأت العملية الأمنية بعد رصد مركبة من نوع “موهافي” سوداء، والتي استخدمت في استهداف عناصر أمن الطرق في مدينة معرة النعمان. وفقًا لمصدر خاص في قيادة الأمن الداخلي، تمكنت الجهات الأمنية من جمع المعلومات اللازمة وتحديد أماكن تواجد الخلية في بلدة الفوعة بريف إدلب. المداهمة جاءت بعد يوم واحد من قتل التنظيم لأربعة عناصر أمن في معرة النعمان، مما دفع وزارة الداخلية والاستخبارات إلى تكثيف جهودهما لتتبع حركة الخلية والقضاء عليها في وقت قصير.

تفاصيل العملية الأمنية في إدلب

أسفرت العملية في إدلب عن اعتقال جميع أفراد الخلية، والبالغ عددهم ثمانية أشخاص، بالإضافة إلى مقتل أحد أبرز عناصرها خلال اشتباك. التحقيقات الأولية كشفت عن اعترافات الخلية بتنفيذ عمليات اغتيال طالت عناصر من الضابطة الجمركية في ريف حلب، وأحد أفراد وزارة الدفاع على جسر سراقب، وأخيراً استهداف قوات أمن الطرق في معرة النعمان. وتعتبر هذه الخلية من الأخطر في شمال سوريا، حيث كانت تمتلك ترسانة من الأسلحة، بما في ذلك أحزمة ناسفة وعبوات متفجرة ورشاشات وبنادق.

وقد أرسلت قوات الأمن العام عشرات الآليات والجنود إلى منطقة الفوعة تحسباً لأي مقاومة أو محاولة هروب من قبل عناصر الخلية.

توسيع نطاق العملية إلى دمشق

لم تقتصر العملية الأمنية على إدلب، بل امتدت لتشمل العاصمة دمشق. وحدات أمنية دقيقة استهدفت وكراً تابعاً لتنظيم الدولة في حي دُمّر، بناءً على معلومات استخباراتية موثوقة. أسفرت المداهمة عن اعتقال عنصر مرتبط بالتنظيم، وضبط كميات من العبوات الناسفة والأسلحة المتنوعة والذخائر، بالإضافة إلى طائرات مسيرة انتحارية ومواد متفجرة تستخدم في تجهيز هذه الطائرات لأغراض تفجيرية. هذه العملية تؤكد على انتشار خلايا تنظيم الدولة في مناطق مختلفة من سوريا، وحرص الأجهزة الأمنية على تتبعها والقضاء عليها.

دوافع تنظيم الدولة وأهدافه في سوريا

يقول الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، فراس فحام، إن عملية اعتقال خلايا تنظيم الدولة تمثل تحييداً للتهديد الذي يشكله التنظيم، كما تساهم في جمع معلومات إضافية حول نشاط الخلايا الأخرى. ومع ذلك، يرى فحام أن تأثير هذه المعلومات قد يكون محدوداً بسبب التحول في هيكل التنظيم من نظام هرمي إلى نموذج شبكي يعتمد على فصل الخلايا وعدم تبادل المعلومات بينها.

إضعاف الثقة بالحكومة السورية

يعزو فحام نشاط تنظيم الدولة إلى رغبته في إضعاف الثقة بالحكومة السورية على المستويين الداخلي والخارجي، من خلال إظهار العجز والفشل الأمني. ويتبنى التنظيم مقاربة تهدف إلى تقويض أي محاولة لتعزيز الحكومة السورية، التي يرى أنها تمتلك اطلاعاً واسعاً على مساراته في سوريا منذ تأسيسه وحتى إنهاء سيطرته الجغرافية عام 2019. ويؤكد فحام أن الحكومة كانت على اطلاع واسع بنشاط التنظيم حتى خلال وجوده في إدلب ضمن نطاق هيئة تحرير الشام.

التحديات المستقبلية ومكافحة الإرهاب في سوريا

من جهته، يوضح الباحث في مركز جسور للدراسات، محمد سليمان، أن الهجمات التي ينفذها عناصر مرتبطة بتنظيم الدولة لها تداعيات خطيرة على الصعيد الأمني، حيث تضعف الاستقرار الذي تسعى دمشق لفرضه. ويشير إلى أن انضمام الحكومة السورية للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أثار مخاوف لدى خلايا التنظيم من انتهاء تواجدهم في المنطقة، مما دفعهم إلى استهداف مناطق سيطرة الحكومة والدوريات المشتركة.

نقص الكوادر والعتاد العسكري

على الرغم من عدم وجود فجوات أمنية كبيرة، إلا أن سليمان يؤكد وجود نقص في عدد الكوادر المؤهلة لمكافحة تنظيم الدولة، بالإضافة إلى نقص في العتاد العسكري اللازم لرفع مستوى هذه الكوادر. ويشير إلى أن المناطق الشرقية تشكل تحدياً إضافياً بسبب التماس المباشر مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تستخدمها خلايا التنظيم للتسلل وتقديم الدعم للهجمات ضد قوات الحكومة السورية.

أهمية السيطرة على السجون والمخيمات

يؤكد سليمان على أهمية السيطرة على السجون والمخيمات في شمال شرق سوريا، والتي لا تزال تحت سيطرة قسد. ويوضح أنه عندما تصبح هذه السجون والمخيمات تحت سيطرة الدولة السورية، ستتمكن من مواجهة التنظيم بكل أريحية، ومنع عبور خلايا التنظيم إلى مناطق سيطرتها.

في الختام، تُظهر العمليات الأمنية الأخيرة تصميم الحكومة السورية على مواجهة خطر الإرهاب والقضاء على خلايا تنظيم الدولة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تتطلب جهوداً متواصلة وتعاوناً إقليمياً ودولياً لضمان استعادة الأمن والاستقرار في سوريا. مكافحة الإرهاب تتطلب استراتيجية شاملة تتضمن تعزيز القدرات الأمنية، وتجفيف مصادر التمويل، ومواجهة الأيديولوجيا المتطرفة، بالإضافة إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد إلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية. الأمن الداخلي السوري يواجه تحديات جمة، ولكن الإرادة السياسية والعزم على حماية الوطن هما الضمانة الأكبر لتحقيق النصر على الإرهاب. تنظيم الدولة لا يزال يشكل تهديداً، ويتطلب يقظة مستمرة وتنسيقاً فعالاً بين جميع الأطراف المعنية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version