يشهد الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصةً في مثلث طوباس – جنين – طولكرم. هذه العمليات، التي بدأت في الأربعاء الماضي، تثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل واستراتيجيتها طويلة الأمد في المنطقة. وفقًا للتحليلات العسكرية، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهداف متعددة، أبرزها تأمين البعد الجغرافي للضفة الغربية، التي تعتبرها عمقًا استراتيجيًا حيويًا لأمنها. هذا المقال يتناول بالتفصيل الأهداف الإسرائيلية من هذه العمليات، والتحديات التي تواجهها المقاومة الفلسطينية، والوضع الإنساني المتدهور في الضفة الغربية.

أهداف إسرائيل من العمليات العسكرية في شمال الضفة الغربية

يرى العميد إلياس حنا، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن إسرائيل تسعى من خلال هذه العمليات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية. الهدف الأول هو تأمين البعد الجغرافي، حيث تنظر إسرائيل إلى الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من أمنها القومي. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى تقطيع المنطقة وعزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف مشروع الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.

دور البعد الطبوغرافي في العمليات العسكرية

يلعب البعد الطبوغرافي دورًا حاسمًا في هذه العمليات. طبيعة الأرض في طوباس وأغوار الأردن الشمالية تجعلها طريقًا للتهريب، وهو ما تسعى إسرائيل إلى إغلاقه. كما أن المنطقة تشهد عملية تهجير منظمة للسكان، مما يهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة لصالح المستوطنين.

توسيع المستوطنات وتقطيع الضفة الغربية

الهدف الأكبر، بحسب الخبير العسكري، هو السماح بإقامة وتوسيع المستوطنات. إسرائيل تسعى إلى قطع الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب عبر سياسة العزل والاحتواء، مما سيؤدي إلى حصر التجمعات الفلسطينية في بؤر معزولة، مع بقاء الطرق الرابطة بينها حكرًا على الإسرائيليين. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تسهيل الاستيطان وإجهاض أي مشروع للدولة الفلسطينية. الضفة الغربية تشكل محورًا رئيسيًا في هذه الخطة.

مثلث طوباس – جنين – طولكرم: بيئة حاضنة للمقاومة

يصف العميد حنا مثلث طوباس – جنين – طولكرم بأنه بيئة حاضنة للمقاومة. المعارك في جنين مستمرة منذ عام 2002، مع تنفيذ عمليات متكررة في مخيمات المنطقة. هناك فرق جوهري بين مخيمات الضفة ومخيمات غزة، حيث اندمجت مخيمات غزة في المجتمع وأصبحت وحدة متكاملة، بينما بقيت مخيمات الضفة معزولة نسبيًا، مما يجعلها بيئة خصبة للمقاومة في نظر إسرائيل.

الضفة الغربية: “الجبهة السابعة” لإسرائيل

تصنف إسرائيل الضفة الغربية على أنها “الجبهة السابعة” الأساسية، إلى جانب قطاع غزة، وحزب الله اللبناني، وأنصار الله في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، وسوريا، وإيران. وتعتبرها أكثر أهمية من غزة بالمعنى الاستراتيجي والجيوسياسي، لأنها تشكل العمق الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي. هذا يوضح مدى الأهمية التي توليها إسرائيل لـ الوضع في الضفة الغربية.

القدرات العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية

تتألف “فرقة الضفة” المسؤولة عن الأمن في المنطقة من 6 ألوية، بالإضافة إلى كتيبة استطلاع واستخبارات متطورة، مما يشير إلى هيمنة وسيطرة عسكرية مسبقة. الإنزال الجوي المستخدم في هذه العمليات يمثل حاجة تكتيكية لكسب الوقت وتجنب المفاجآت، حيث تنفذ عمليات سريعة ومحدودة الأهداف باستخدام وحدات خاصة.

في المقابل، قدرات الفصائل الفلسطينية المقاومة محدودة، لأسباب عدة، أبرزها العزلة عن خطوط التواصل وغياب الملاذ الآمن والراعي الداعم. الإرادة على القتال موجودة، لكن الوسائل تبقى محدودة في ظل محاولات إسرائيل تجفيف المنطقة وقطع أي ارتباط لها بالأردن. العمليات العسكرية الإسرائيلية تهدف إلى إضعاف قدرات المقاومة.

الوضع الإنساني المتدهور في الضفة الغربية

تتواصل الاعتداءات والتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ بدء حرب الإبادة على غزة. أسفرت هذه الاعتداءات عن استشهاد أكثر من 1085 فلسطينيًا وإصابة قرابة 11 ألفًا واعتقال ما يزيد على 21 ألفًا آخرين. حرب الإبادة على غزة، التي بدأت في 8 أكتوبر 2023، خلفت أكثر من 69 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ودمارًا هائلاً.

في الختام، العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية تمثل تصعيدًا خطيرًا يهدد بتقويض أي أمل في حل الدولتين. الأهداف الإسرائيلية واضحة: تأمين البعد الجغرافي، وتوسيع المستوطنات، وعزل التجمعات الفلسطينية. يتطلب الوضع تضافرًا للجهود الدولية للضغط على إسرائيل لوقف هذه العمليات، وحماية المدنيين الفلسطينيين، وإيجاد حل عادل ودائم للصراع. من الضروري متابعة تطورات الأوضاع في الضفة الغربية وفهم الأبعاد الاستراتيجية لهذه العمليات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version