في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، فجّرت إسرائيل أزمة جديدة في القرن الأفريقي بإعلانها الاعتراف بإقليم أرض الصومال دولة مستقلة. هذا الإعلان، الذي جاء عقب لقاء بين رئيس أرض الصومال عبد الرحمن عرو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثار ردود فعل غاضبة من قبل الحكومة الصومالية والمجتمع الدولي، مهدداً بتقويض الاستقرار في المنطقة. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تحدٍ سافر للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، وتثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها.
أزمة الاعتراف بإقليم أرض الصومال: ردود الفعل الإقليمية والدولية
استنفرت الحكومة الفدرالية الصومالية قدراتها الدبلوماسية على الفور لحشد الدعم الدولي والإقليمي لرفض هذا الإعلان. وأصدرت رئاسة الوزراء الصومالية بياناً شديد اللهجة، أكدت فيه أن هذه الخطوة تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والنظام الأساسي للاتحاد الأفريقي. لم يقتصر الرفض على الصومال فحسب، بل امتد ليشمل إدانات دولية وعربية واسعة النطاق. منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وإيغاد، والاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية والأفريقية، أعربت جميعها عن رفضها القاطع لهذا الاعتراف.
جهود مقديشو لمواجهة الاعتراف الإسرائيلي
يعمل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود حالياً على توحيد الصف الداخلي لمواجهة هذه الخطوة. من المقرر أن يعقد البرلمان الفدرالي الصومالي جلسة خاصة اليوم الأحد لمناقشة التطورات الأخيرة، حيث سيلقي الرئيس محمود خطاباً للبرلمان يشرح فيه آخر الجهود المبذولة في هذا الصدد. وتعتمد الحكومة الصومالية في استراتيجيتها على القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، مع التركيز على المسارات الدبلوماسية والقانونية. وتعتبر مقديشو هذا الاعتراف تجاوزاً للخط الأحمر.
الدوافع الإسرائيلية وراء الاعتراف: نظرة تحليلية
ترى الحكومة الصومالية أن هناك دوافع خفية وراء هذا الاعتراف، أبرزها:
- تهجير الفلسطينيين: إيجاد دولة بديلة للفلسطينيين، مما يساهم في تفكيك قضيتهم.
- وجود عسكري في المنطقة: تأمين موطئ قدم عسكري لإسرائيل في منطقة استراتيجية، بالقرب من الممرات الدولية.
- تعزيز النفوذ الإقليمي: توسيع نفوذ إسرائيل في القرن الأفريقي، وتعزيز تحالفاتها الإقليمية.
تصريحات رسمية صومالية: خط أحمر وسيادة وطنية
أكد وزير الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق أحمد حسن، في حديث خاص، أن هذه الخطوة تمثل “تدخلاً عدائياً سافراً في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة”. وأضاف أن مقديشو تعتبر الأمر خطاً أحمر، وأن وحدة الصومال ليست قابلة للتفاوض أو الاجتهاد. وشدد على أن أي اعتراف بجزء من الأراضي الصومالية خارج هذا الإطار هو عدوان سياسي مباشر وانتهاك للقانون الدولي. وأوضح أن الدولة الصومالية ليست عاجزة ولن تسمح بتحويل أي مدينة فيها إلى منصة تهديد أو قاعدة نفوذ أجنبي.
التأثيرات الأمنية والجيوسياسية للاعتراف
يؤكد الوزير حسن أن للاعتراف تأثيرات خطيرة على الأمن القومي الصومالي، حيث يفتح الباب أمام اختراق أمني واستخباراتي، ويهدد أمن البحر الأحمر وخليج عدن، ويعقد جهود مكافحة الإرهاب. ويرى أن الاعتراف قد يشجع أقاليم أخرى على الانفصال، لكنه أكد أن الدولة الصومالية ستواجه أي نزعة انفصالية بحزم. كما استبعد أن تحذو دول أخرى حذو إسرائيل، مؤكداً أن الصومال سيعيد تقييم علاقاته مع أي دولة تتجاوز سيادته.
الدور الإثيوبي والتحركات الإقليمية
تتجه الأنظار أيضاً إلى أديس أبابا، التي تسعى للحصول على منفذ بحري عبر سواحل أرض الصومال. على الرغم من فشل محاولة سابقة لتوقيع مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في يناير 2024، إلا أن الطموحات الإثيوبية لا تزال قائمة. حتى الآن، لم تصدر إثيوبيا أي تعليق رسمي على الاعتراف الإسرائيلي، مما يثير تساؤلات حول موقفها الرسمي. في المقابل، يحتفل المسؤولون في أرض الصومال بالاعتراف الإسرائيلي ويتطلعون إلى المزيد من الدعم الدولي.
السيناريوهات المحتملة والخطوات المستقبلية
يرى الباحث السياسي محمد عبدي الشيخ أنه من غير المرجح أن تلجأ مقديشو إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع هرغيسا، نظراً للتعقيدات الداخلية والحساسية الإقليمية. لكنه يتوقع أن تلجأ الحكومة الفدرالية إلى تحركات غير مباشرة، مثل دعم القبائل الرافضة للانفصال وتعزيز الاعتراف بالإدارة الجديدة في شمال شرق الصومال. ويؤكد أن الاعتراف الإسرائيلي يمثل محاولة لخلق خلل أمني جديد في القرن الأفريقي، وتحويل المنطقة إلى ساحة صراع نفوذ دولي.
الخلاصة:
إن اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال يمثل تطوراً خطيراً يهدد الاستقرار في القرن الأفريقي. يتطلب هذا الوضع استجابة دبلوماسية قوية من قبل الصومال والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى جهود لتعزيز الوحدة الداخلية الصومالية ومواجهة أي نزعات انفصالية. إن الحفاظ على سيادة الصومال ووحدة أراضيه أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. ويتطلب الأمر أيضاً مراقبة دقيقة للتحركات الإقليمية والدولية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المصالح الصومالية.



