السودان يطرح مبادرة سلام جديدة بشروط واضحة لإنهاء الحرب

اندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، وما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على البلاد، مخلّفةً عشرات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين. في ظل هذه الظروف الصعبة، أعلن رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، عن مبادرة سلام جديدة تهدف إلى وقف شامل لإطلاق النار وتحقيق الاستقرار في البلاد. ترتكز هذه المبادرة على شرط أساسي وهو نزع سلاح قوات الدعم السريع وتجميع عناصرها، وهو ما يمثل نقطة خلاف رئيسية مع القوات المتمردة. هذا المقال سيتناول تفاصيل المبادرة، رد فعل قوات الدعم السريع، وأهم التحديات التي تواجه عملية السلام في السودان.

مبادرة السلام السودانية: رؤية جديدة لإنهاء الصراع

قدم رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، مبادرة السلام أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، مؤكدًا أن الهدف منها هو إرساء السلام الدائم في السودان. وتتضمن المبادرة عدة نقاط رئيسية، أبرزها:

  • وقف شامل لإطلاق النار برعاية إقليمية ودولية.
  • انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها.
  • نزع سلاح قوات الدعم السريع وتجميع مقاتليها في معسكرات محددة.
  • إطلاق حوار سوداني سوداني شامل يرتكز على المصالحة الوطنية.
  • إعادة دمج المقاتلين في المجتمع وتقديم الدعم اللازم لهم.

وأكد إدريس في مؤتمر صحفي عقده في بورتسودان بعد عودته من نيويورك، أن السودان دولة ذات سيادة، وأن أي رقابة دولية يجب أن تتم باتفاق مسبق. وأضاف: “لن نقبل بأي قوات أممية في السودان، فقد اكتوينا بنار هذه القوات الدولية سابقًا.” وشدد على أن المبادرة تعكس رغبة الشعب السوداني في السلام، وأنها تمثل تحولًا من موقع المتلقي إلى موقع صاحب المبادرة.

أهمية المبادرة وتأثيرها على المشهد السياسي

تعتبر هذه المبادرة خطوة مهمة نحو إيجاد حل للأزمة السودانية، حيث أنها تأتي من الحكومة السودانية نفسها، مما يعزز من مصداقيتها ويمنحها وزنًا أكبر. كما أن طرحها في مجلس الأمن الدولي يمثل اعترافًا دوليًا بشرعية الحكومة المدنية، ويضع السودان في “ملعب الأسرة الدولية” كما وصفها إدريس. بالإضافة إلى ذلك، فإن المبادرة تؤكد على أن الحكومة السودانية “دعاة سلام وليست دعاة حرب”، وهو ما يهدف إلى تغيير الصورة النمطية التي قد تكونت لدى المجتمع الدولي.

رد فعل قوات الدعم السريع: رفض قاطع

لم تمر مبادرة السلام السودانية دون رد فعل من قوات الدعم السريع، التي أعلنت رفضها القاطع لها. وقال مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، إن المبادرة ليست سوى إعادة تدوير لخطاب إقصائي متهالك، لا يختلف في جوهره عن خطاب رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان.

وأضاف طبيق أن كامل إدريس لا يمتلك الإرادة أو القرار اللازمين للحديث عن إيقاف الحرب، ناهيك عن إطلاق مبادرة سياسية ذات وزن. واعتبر أن اشتراط نزع سلاح قوات الدعم السريع ووصفها بـ “المليشيا” هو طرح أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع السياسي. هذا الرفض يعكس استمرار التصلب في المواقف بين الطرفين المتنازعين، ويضعف الآمال في التوصل إلى حل سريع للأزمة.

التحديات التي تواجه عملية السلام

على الرغم من أهمية مبادرة السلام السودانية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي قد تعيق تنفيذها. من أبرز هذه التحديات:

  • رفض قوات الدعم السريع: الرفض القاطع للمبادرة من قبل قوات الدعم السريع يمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام.
  • الخلافات حول نزع السلاح: مسألة نزع سلاح قوات الدعم السريع هي نقطة خلاف رئيسية، حيث ترفض القوات المتمردة التخلي عن سلاحها قبل تحقيق مطالبها.
  • الوضع الإنساني المتردي: تدهور الوضع الإنساني في السودان، مع وجود ملايين النازحين واللاجئين، يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار والسلام.
  • التدخلات الخارجية: التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، من قبل بعض الدول الإقليمية والدولية، قد تعقد عملية السلام وتزيد من حدة الصراع.
  • صعوبة تحقيق المصالحة الوطنية: بعد شهور من القتال العنيف، قد يكون من الصعب تحقيق المصالحة الوطنية بين السودانيين.

آفاق المستقبل والجهود المبذولة

على الرغم من التحديات الكبيرة، لا يزال هناك أمل في تحقيق السلام في السودان. تواصل الحكومة السودانية جهودها الدبلوماسية لإقناع المجتمع الدولي بضرورة دعم مبادرتها، والضغط على قوات الدعم السريع للقبول بها. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة إلى التواصل مع دول الجوار لشرح المبادرة، والتأكيد على أهمية تحقيق السلام في السودان للمنطقة بأكملها.

من المهم أيضًا تهيئة المناخ لحوار سوداني سوداني شامل، يرتكز على المصالحة الوطنية ويستثني جميع الأطراف المعنية. إن تحقيق السلام في السودان يتطلب تضافر الجهود من قبل جميع الأطراف السودانية، بالإضافة إلى الدعم القوي من المجتمع الدولي. إن نجاح هذه المبادرة، أو أي مبادرة أخرى، يعتمد بشكل كبير على إرادة الأطراف المتنازعة في التوصل إلى حل يضمن الأمن والاستقرار والرخاء لجميع السودانيين. الوضع الراهن يتطلب حلولًا جذرية، ونزع سلاح قوات الدعم السريع يظل شرطًا أساسيًا لتحقيق ذلك.

في الختام، مبادرة السلام السودانية تمثل خطوة إيجابية نحو إنهاء الحرب، ولكنها تواجه تحديات كبيرة. يتطلب تحقيق السلام تضافر الجهود، والمرونة في التعامل مع المواقف، والالتزام بالمصالح الوطنية العليا. نأمل أن يتمكن السودانيون من تجاوز هذه الأزمة، وبناء مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version