البيرة – لم يفقد عمر عساف، الأكاديمي الفلسطيني ومنسق “المؤتمر الفلسطيني- 14 مليونا”، الأمل وسط واقع يزداد دموية وتعقيدا في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، ويواصل لليوم الـ35 اعتصامه مضربا عن الطعام وسط مدينة البيرة بالضفة الغربية.

ويشاركه في التحرك العشرات من النشطاء والسياسيين الفلسطينيين الذين يتقاسمون معه الإصرار على التمسك بالأمل وإطلاق صرختهم في وجه العالم لمزيد من الضغط لوقف الإبادة المتواصلة في القطاع.

والتقت الجزيرة نت عساف بعد ساعات من اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينتي البيرة ورام الله، ومحاصرته والمشاركين معه بساحة مركز بلدية البيرة في وقفة احتجاجية تطالب باسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزة لدى الاحتلال.

سجن مفتوح

لا تزال آثار الاعتقال الذي تعرض له في بداية الحرب محفورة في معالم وجهه، حيث خسر من وزنه قرابة 29 كيلوغراما.

وبينما يرسل نظره نحو العابرين من ساحة الاعتصام مثقلين بمشاق الحياة في الضفة الغربية، يرى عساف أن الفلسطينيين يعيشون في سجن كبير مفتوح تمت هندسته من قبل الاحتلال لشل فاعليتهم السياسية والنضالية، وإثقال كاهلهم بهموم الحياة اليومية في ظل انغلاق مطبق لأي أفق سياسي يمكنهم من نضال فاعل نحو مستقبل يقربهم من حريتهم.

ينتمي عساف إلى بيت فلسطيني ذاق ويلات التهجير خلال نكبة 1948، حيث هُجّرت عائلته من قرية بير نبالا قضاء الرملة، ونشأ في مخيم دير عمّار للاجئين، مما جعله يعي تماما معنى ما يهدد به الاحتلال من تهجير لأهالي قطاع غزة، فضلا عن سياسات الضغط بالتجويع والتضييق الاقتصادي على أهالي الضفة لإجبارهم على الهجرة بحثا عن حياة أقل تعقيدا وخطورة.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى عساف أن ما يجري في الضفة ومخيماتها وقراها هو بمثابة إعادة هندسة شاملة للبنية الحضرية للمجتمع الفلسطيني وما يتبع ذلك من إعادة هندسة فكرية واجتماعية.

ويوضح “لقد تم تخريب الوعي بشكل ممنهج منذ اتفاق أوسلو إلى اليوم، مما يعني أن الحس الجمعي أصبح غائبا وسيطرت النزعة الاستهلاكية على البلد، الأمر الذي انعكس بنوع من الانكفاء عن المشاركة في الهم العام والنضال الوطني، وهذا الانكفاء مردّه الأساسي سياسة السلطة في الاعتقالات السياسية والفساد”.

وأضاف عساف أن اتخاذ خطوة الإضراب المتواصل عن الطعام كان نابعا من اعتقاد راسخ بأنه لا بد من محاولة تكوين كرة ثلج تتجه نحو كسر حالة العجز والانكفاء.

أصداء إيجابية

ووفقا لعساف، فإن هذا القرار لاقى أصداء إيجابية في محاولة لتوحيد الصوت الفلسطيني الذي يواجه سياسات التفتيت منذ النكبة وحتى اليوم، حيث كانت لجنة المتابعة العربية داخل أراضي 48 أول الملتحقين بهذا التحرك على مدار ثلاثة أيام.

وتبع ذلك انخراط نشطاء في جنين ونابلس والخليل وأراضي 48، إلى جانب تفاعل نشطاء حول العالم في عدد من الدول الأوروبية حيث تضرب إحدى الناشطات في فرنسا منذ 26 يوما، إلى جانب فعاليات في السويد وإسبانيا والولايات المتحدة وتونس والأردن وغيرها.

وأكد عساف “نحن مستمرون في الإضراب، ويجب أن يكون هناك صحوة عربية لأن هذا التوسع الذي تطمع به إسرائيل سيطالنا جميعا نحن العرب ولن يكتفي بفلسطين”.

وعن المصدر الذي يستمد منه الأمل، يقول “الهزيمة والاستسلام ليسا قدرا، ونحن لدينا ثقة وهي التي تبعث على الأمل، نحن واثقون بأصالة شعبنا وأننا أصحاب حق، وأن هذا الاحتلال لم يبقِ للناس خيارا، وقد ثبت أن سياسة الاستجداء لم تجلب إلا المزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي، وما حصل في قرية المغيّر قبل أيام نموذج، لا خيار أمامنا إلا أن ندافع عن أنفسنا، وما زالت قوى المقاومة قادرة على درء هذا الخطر التوسعي”.

وقد انبثق عن هذا الإضراب “منتدى كلنا غزة.. كلنا فلسطين” الذي يتابع تحرك “أسطول الصمود” الذي من المنتظر أن يضم مئات المشاركين على متن 45 سفينة، في محاولة جديدة ستنطلق لكسر الحصار عن غزة.

جسم واحد

أما جميلة عبد الهادي، الناشطة السياسية والعضو في “المؤتمر الفلسطيني- 14 مليونا”، التي تنحدر أصولها من بير نبالا شمالي غربي القدس، فقد بدا ظاهرا أن عينيها قد بدأتا تغوران إثر انخراطها في الإضراب عن الطعام منذ بدايته. لكن ذلك لم يثنها عن مواصلة تحركها انطلاقا من إيمانها بوحدة الجسد الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، قائلة “وجودنا في جغرافية الضفة الغربية هو صدفة، احنا (نحن) وغزة جسم واحد”.

جميلة التي تجاوزت 60 من العمر، كانت ضمن صفوف النساء الفاعلات في الانتفاضة الأولى، تحمل في خطوة إضرابها رسالة بأن العجز الحقيقي هو الاستسلام، فكان خيارها أن تقاوم بجسدها وجوعها، في محاولة لمعايشة الظروف التي يقاسيها الفلسطينيون المجوعون في قطاع غزة.

وتقول للجزيرة نت “فكّرنا في الإضراب عن الطعام كوسيلة من الممكن أن تصدم الشارع، وهذا ليس قرارا سهلا خصوصا أن معظمنا ليسوا في سن الشباب، هي صرخة لبث الصحوة في الشارع، ونأمل أن ننقل هذه العدوى للجميع، اخترنا أن نجوّع أنفسنا لنكون جزءا من غزة”.

وتؤكد أنها مؤمنة بأن الشعب الفلسطيني “يحتاج قيادة وطنية يمكنه الالتفاف حولها وتلتزم تجاه نضاله”.

وختم عساف بالقول إن إضرابه عن الطعام ورفاقه هو في المقام الأول تكفير عن ذنوب التقصير والخذلان تجاه غزة، وإلقاء صخرة في المياه الراكدة في الضفة الغربية، واجتذاب الكتلة الجمعية الفلسطينية، وتجميع قوى التغيير للانخراط في هذا الهم العام، ومواجهة تخريب الوعي رغم المخاض العسير الذي تمر به محاولة الاجتذاب هذه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version