دمشق- “في نهاية المطاف ليس أمام الإنسان سوى العودة إلى منزله ولو كان مدمرا، ولو اضطر لجمع الحجارة من الشارع ليعمّر بيته بيديه مجددا”.
بهذه العبارة التي يملؤها التحدي يجيب الحاج الستيني محمود سلامة (أبو وائل) عن سؤال بشأن صعوبات عودته وعائلته إلى مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول سلامة للجزيرة نت “حاول النظام المخلوع سلبنا حقنا في العودة للمخيم، وضيّق على العائدين منا في معيشتهم وأعمالهم وأرزاقهم، ولكنه فشل وسقط، وها نحن نعود مجددا والحمد لله”.
وبالإضافة إلى عائلة أبو وائل ثمة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين عادوا إلى منازلهم المدمرة كليا وجزئيا في المخيم منذ سقوط الأسد، حيث كان المخيم قد شهد قصفا عنيفا واشتباكات دامية ودمارا واسع النطاق خلال سنوات الحرب.
تحديات العودة
وكانت ناتالي بوكلي نائبة المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لشؤون البرامج والشراكات أعلنت عودة أكثر من 15 ألف لاجئ فلسطيني إلى مخيم اليرموك منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأشارت بوكلي إلى تقدم ملحوظ بجهود إعادة الإعمار، حيث يشهد المخيم تحولا تدريجيا من مشاهد الدمار إلى مساحات تنبض بالحياة من جديد بفضل مساهمات المانحين والدعم الدولي.
وعلى الرغم مما أبداه الحاج أبو وائل من تحد لظروف عودته الشاقة إلى المخيم فإنه لم يستطع إخفاء ألمه عندما أطلع الجزيرة نت على موقع شقته التي سوّاها جيش النظام السابق بالأرض بعد سرقة محتواها من أثاث وحديد وغيره من مواد البناء.
ويقول أبو وائل “لم تبق من منزلي سوى شجرة زرعتها قبل سنوات طويلة، فلم يكتفِ النظام بقصفه، بل هدمه عناصره بالكامل لاستخراج الحديد وبيعه، والآن نحتاج لإعادة إعماره من الصفر”.

ويعيش أبو وائل مع عائلته عند أقارب لهم بشكل مؤقت، وتمكن من إعادة افتتاح محله لتصليح السيارات في المخيم رغم قلة الزبائن، وهو يعاني كباقي أهالي المنطقة للحصول على المياه، ويضطرون إلى تعبئة غالونات بلاستيكية وحملها لمسافات بعيدة لتوفير مياه الشرب، في حين يلجؤون إلى الصهاريج أو الآبار لتعبئة مياه الاستخدام اليومي، فالبنية التحتية في المخيم شبه مدمرة.
كما يلجأ إلى توفير الكهرباء عبر المولّد وعند الضرورة بتكلفة يومية تبلغ 50 ألف ليرة (5 دولارات)، ويقول “المعيشة في المخيم صعبة ومكلفة للغاية، ونحتاج لتأمين كل شيء بأنفسنا، ونأمل تحسّن الوضع بأقرب وقت”.
بانتظار المساعدات
ويشير الحاج أبو وائل إلى أنه منذ عودته إلى المخيم لم يتلقَ مساعدات من الأونروا، وينتظر مثل الكثير من العائدين إليه مساعدات الوكالة لإعادة إعمار منازلهم وتأمين احتياجاتهم، لافتا إلى أنه لم يتلقَ وعائلته أي مساعدات مالية منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة في المخيم فإن أم محمد شقيقة أبو وائل تقول للجزيرة نت إن “بيت الإنسان يساوي بالنسبة إليه الدنيا وما فيها ولو كان بلا أبواب ونوافذ”.
وأم محمد هي أرملة وأم لشابين استشهدا إثر قصف النظام منزل العائلة في مخيم اليرموك عام 2012 تاركين لها 3 أطفال يتامى تتكفل هي بتربيتهم ورعايتهم، وتأمل وشقيقها عودة المساعدات إلى سابق عهدها، وأن تسارع الحكومة إلى تمديد الكهرباء وتوفير الماء وخدمة الإنترنت للمخيم.
بدوره، يستعد الموظف في وزارة الصحة خالد طه لترك منزله المستأجر في بلدة الحسينية بريف دمشق، والعودة إلى بيته شبه المدمر في مخيم اليرموك، وذلك بعد أن رفع مالك العقار إيجار الشقة في الحسينية إلى حد لا يمكن لخالد تحمّل تكلفته.
ويحتاج طه اليوم إلى ما لا يقل عن 40 مليون ليرة (4 آلاف دولار) لإعادة ترميم شقته وتدعيم السقوف المتهالكة وهدم بعض الجدران الآيلة للسقوط، ليعود المكان صالحا للعيش مجددا، ولذلك عاد مع بعض أغراضه إلى المخيم منتظرا فريق الأونروا ليكشف على منزله على أمل تقديم المساعدة المطلوبة.
أما عن تأمين الماء والكهرباء فيقول طه للجزيرة نت “وضعي المادي تحت الصفر، والكهرباء ليست متوفرة في المخيم، وتوفيرها يحتاج لتركيب ألواح طاقة شمسية وهذا ما ليس بمقدوري، أما الماء فأتدبر أمري بتعبئة الغالونات”.
ويخشى الموظف أن تنعكس عودته إلى المخيم سلبا على أطفاله الأربعة من حيث التعليم وجودة الحياة ومستقبلهم، قائلا “أخاف على أطفالي، ولكن لا بد من العودة إلى منزلنا، فأولادي أحق بإيجار الشقة الذي أدفعه في الحسينية”.
بلا مساجد
من جانبه، تحدّث الحاج أبو فؤاد (64 عاما) -وهو ممن عادوا إلى مخيم اليرموك في عهد النظام السابق قبل 3 سنوات- عن تحولات المعيشة في المخيم وأساليب تضييق النظام على العائدين وابتزازهم.
فإلى جانب عدم توفير أي خدمة للعائدين -يقول أبو فؤاد للجزيرة نت- كان جيش النظام المخلوع يفرض دفع الإتاوات على الحواجز مقابل إدخال مواد البناء أو حتى الاحتياجات الأساسية كالغذاء والمفروشات.
ويضيف أنه فوجئ مع عودته إلى المخيم بأن جميع مساجده كانت مغلقة، والصلاة فيها ممنوعة على السكان العائدين، في حين دمرت جوامع أخرى بالكامل، مثل جامع فلسطين وجامع عبد القادر، مما دفع الأهالي للذهاب إلى بلدة يلدا المجاورة لأداء الصلاة.
وتمكن أبو فؤاد بعد سقوط نظام بشار الأسد من افتتاح دكان صغير في الحي الذي يسكنه بمخيم اليرموك، وهو ما فعله كثير من العائدين أيضا على اختلاف مصالحهم ومهنهم، حيث فتحت محال بسيطة لبيع المواد الغذائية أو ممارسة المهن التقليدية كالنجارة والحدادة، في محاولة لإعادة الحياة إلى حارات لا تزال غارقة بالدمار.
ويكاد لا يخلو حي من أحياء المخيم من مظاهر إعادة الإعمار التي يقوم بها السكان، وإن كان بعضها مجرد عمليات ترميم أولية لا تكفي لجعل هذا المحل أو ذاك المنزل قابلا للسكن مجددا.
وعلى الرغم من بعض مظاهر التعافي فإن الحياة في المخيم تظل شديدة القسوة، فالماء والكهرباء شبه معدومين، والدعم الإغاثي محدود، خاصة من قبل الأونروا التي يتهمها بعض السكان بالتمييز في تقديم المساعدات.
ويصف أبو فؤاد تجربة العودة بأنها باهظة الثمن من الناحيتين المادية والنفسية، إذ اضطر كثيرون إلى إنفاق كل ما يملكون من أجل البقاء، دون وجود ضمانات حقيقية لمساعدات تعينهم على استكمال ترميم منازلهم، خاصة أن الدعم من المنظمات المعنية مشروط بالإقامة داخل المخيم حتى لو كانت تحت الأنقاض.
ويعتبر مخيم اليرموك من أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات، ويبعد 8 كيلومترات جنوب العاصمة دمشق، وحاصره النظام السوري بعد اندلاع الثورة عام 2011، وبدأ قصفه منذ 2012 بدعوى محاربة الكتائب المسلحة، ولاحقا سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على بعض أحيائه في أبريل/نيسان 2015.