في أعقاب زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى إسرائيل، سلط معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الضوء على الزيادة الكبيرة في صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل، بالإضافة إلى موقف برلين المتزايد الجدل حول الأحداث الجارية في غزة. هذه القضية تثير تساؤلات حول السياسة الخارجية الألمانية، والتزاماتها الإنسانية، ودورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تصاعد مبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل: أرقام وإحصائيات
وفقًا لتقرير المعهد، احتلت الولايات المتحدة الصدارة كأكبر مصدر للأسلحة لإسرائيل بين عامي 2019 و2023، حيث قدمت 69% من المعدات العسكرية. لكن ألمانيا تحتل المرتبة الثانية بنسبة 30%، مما يجعلها شريكًا رئيسيًا في تسليح إسرائيل. هذان البلدان يوفران معًا حوالي 99% من واردات إسرائيل من الأسلحة، مما يبرز أهمية العلاقة الدفاعية بينهما.
في عام 2023 وحده، وافقت الحكومة الألمانية على 308 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل بقيمة إجمالية قدرها 326.5 مليون يورو (حوالي 380 مليون دولار أمريكي). هذا يمثل زيادة عشرة أضعاف مقارنة بعام 2022، حيث بلغت قيمة التراخيص 32.3 مليون يورو فقط. منذ عام 2003، تجاوزت قيمة الأسلحة التي صدّرتها ألمانيا إلى إسرائيل 3.3 مليارات يورو.
أنواع الأسلحة المصدرة
تتركز صادرات الأسلحة الألمانية بشكل أساسي على المعدات البحرية، بما في ذلك طرادات “ساعر 6” التي استخدمت في العمليات العسكرية في غزة والحصار البحري المفروض على القطاع. كما تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الغواصات الألمانية الصنع من طراز “دولفين”، والتي تشكل ركيزة أساسية لأسطول الغواصات التابع للبحرية الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الصادرات الألمانية مجموعة واسعة من الذخائر الصغيرة، وقاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف “ماتادور”، وصواريخ ومحركات للدبابات والمركبات المدرعة.
صفقة “آرو 3” وتأثيرها على القدرات الدفاعية الألمانية
في تطور حديث، أفادت وكالة بلومبيرغ في 3 ديسمبر/كانون الأول بأن إسرائيل ستزوّد ألمانيا بمنظومة الدفاع الصاروخي الباليستي بعيدة المدى “آرو 3”. تتيح هذه الصفقة لألمانيا الوصول بشكل مستقل إلى هذه التكنولوجيا المتطورة، وتمثل أول صفقة شراء كبيرة بعد إعادة تقييم برلين لقدراتها الدفاعية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
تبلغ قيمة هذه الصفقة أكثر من 3.6 مليارات يورو (حوالي 4.2 مليارات دولار أمريكي)، وتشمل أنظمة الإطلاق والرادار والذخائر. تعتبر هذه الصفقة الأكبر في تاريخ إسرائيل من حيث تصدير الأسلحة، وتعكس التعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين.
لماذا استأنفت ألمانيا صادرات الأسلحة؟
في البداية، اتخذ المستشار ميرتس قرارًا في 8 أغسطس/آب بتعليق إصدار تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، معربًا عن قلقه بشأن التدهور المتزايد للوضع الإنساني في غزة. ومع ذلك، أكد في الوقت نفسه على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ودعا إلى الإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس.
لكن في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، تراجعت ألمانيا عن هذا القرار، بدعوى أن الوضع في غزة أصبح “مستقرًا” بعد الهدنة المؤقتة. أشارت الحكومة الألمانية إلى أن هذا القرار مشروط بالالتزام بالهدنة وتقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق.
الإبادة في غزة وتقييد المساعدات الإنسانية
على الرغم من ذلك، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مما أدى إلى مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين. وثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكثر من 591 انتهاكًا للهدنة من قبل القوات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تواصل إسرائيل تقييد إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث تسمح بدخول 20% فقط من الشاحنات المخصصة.
هذا الوضع أثار انتقادات واسعة النطاق، وحذر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني من أن هدنة غزة تمر بـ”لحظة حرجة” وقد تنهار بدون تحرك سريع نحو اتفاق سلام دائم.
التجارة بين إسرائيل وألمانيا: نظرة عامة
تعتبر ألمانيا خامس أكبر وجهة للصادرات الإسرائيلية وأكبر شريك تجاري لإسرائيل في أوروبا. تنشط التجارة بين البلدين في مجالات التكنولوجيا والآلات والأدوية. في عام 2023، صدرت إسرائيل إلى ألمانيا سلعًا بقيمة 2.64 مليار دولار أمريكي، معظمها في مجال التقنيات المتقدمة والأجهزة الإلكترونية.
في المقابل، صدّرت ألمانيا إلى إسرائيل بضائع بقيمة 5.5 مليارات دولار أمريكي، معظمها آلات وإلكترونيات، بالإضافة إلى السيارات والمنتجات الدوائية. تستثمر ألمانيا أيضًا بنشاط في التكنولوجيا الإسرائيلية من خلال رأس المال المغامر، والتعاون في البحث والتطوير، والشراكات مع شركات ألمانية كبرى مثل سيمنز وباير.
موقف ألمانيا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
يعود دعم ألمانيا لإسرائيل إلى علاقة تاريخية خاصة، تعود إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة اليهودية. سعت ألمانيا إلى مواجهة ماضيها من خلال توقيع اتفاق تعويضات مع المجتمع اليهودي في عام 1952.
في الأمم المتحدة، غالبًا ما تتبنى ألمانيا موقفًا حذرًا، وتمتنع عن التصويت في بعض الحالات لتجنب عزل إسرائيل. ومع ذلك، صوّتت ألمانيا لصالح القرارات التي تدعم التزامها بحل الدولتين والاحترام الكامل للقانون الدولي. وقد شهدت ألمانيا منذ أكتوبر 2023 أكثر من 800 احتجاج مرتبط بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، معظمها مؤيدة لفلسطين.
ختامًا، تثير قضية صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل تساؤلات مهمة حول السياسة الخارجية الألمانية، والتزاماتها الإنسانية، ودورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يتطلب هذا الوضع تقييمًا دقيقًا للمصالح الألمانية، والقيم الإنسانية، والمسؤولية تجاه تحقيق سلام دائم في المنطقة. من الضروري متابعة التطورات الجارية، وتحليل تأثير هذه الصادرات على الوضع في غزة، والضغط من أجل حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.



