“أوبلان ديو”: نظرة متشككة على خطة الناتو العسكرية لألمانيا وتداعياتها المحتملة
تثير وثيقة مسربة من ألمانيا، والمعروفة باسم “أوبلان ديو” (خطة عملياتية لألمانيا)، جدلاً واسعاً حول مستقبل الأمن الأوروبي والعلاقات مع روسيا. يرى محللون غربيون أن هذه الخطة، التي تحدد سيناريوهات مواجهة عسكرية محتملة مع روسيا، قد تكون مبنية على تصورات خاطئة وستؤدي إلى سياسات عسكرية غير واقعية، بل وربما إلى اعتماد أوروبا على التدخل الأمريكي. هذه المقالة ستتعمق في تفاصيل الوثيقة المسربة وتحليلها، مع التركيز على المخاوف التي أثارها المحرر البارز في موقع ناشونال إنترست، براندون ج. ويكرت، حول الخطط العسكرية للناتو وتأثيرها على ألمانيا.
تفاصيل “أوبلان ديو” ودور ألمانيا المحوري
تُظهر الوثيقة “أوبلان ديو”، المكونة من 1200 صفحة، رؤية لتحويل ألمانيا إلى مركز رئيسي للعمليات العسكرية التابعة للناتو في حال نشوب صراع مع روسيا. كما تتضمن خططًا لنشر ما يصل إلى 800 ألف جندي من دول الحلف عبر الأراضي الأوروبية. هذا التحول يعكس تغييرًا استراتيجيًا كبيرًا، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار تاريخ العلاقات الألمانية الروسية الوثيق قبل عام 2023.
الاعتماد السابق على الطاقة الروسية
لطالما كانت ألمانيا تعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة الروسية الرخيصة، وهو ما ساهم بشكل كبير في ازدهارها الاقتصادي بعد الحرب الباردة. ولكن، مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وإثر تدمير خط أنابيب نورد ستريم 2، بدأت هذه الأيام في التلاشي، مما دفع ألمانيا إلى إعادة تقييم علاقاتها مع روسيا وتبني مواقف أكثر صرامة، كما هو واضح في محتوى هذه الخطة.
دمج القطاع الخاص والعسكري
تتضمن الخطة أيضًا اقتراحًا مثيرًا للجدل بدمج شركات الدفاع المدنية الأوروبية بشكل أعمق في الوكالات الحكومية. يهدف هذا الإجراء إلى تعزيز القدرات الدفاعية للناتو، ولكن كذلك يثير تساؤلات حول الشفافية والمساءلة في هذا القطاع الحساس.
“اليوروفوريا” والتقييم المتشائم للواقع الجيوسياسي
انتقد الكاتب براندون ج. ويكرت هذه الخطة بشدة، واصفًا إياها بـ”الغبية” والتي ستؤدي إلى “سياسات عسكرية كارثية”. ويرى ويكرت أن هذه الخطة تجسد ما أسماه “اليوروفوريا”، وهي حالة من التفاؤل المفرط لدى النخب الأوروبية بشأن وضعها الجيوسياسي، في حين يتجاهلون المخاطر الحقيقية التي تهدد المنطقة.
هذا التفاؤل، بحسب ويكرت، قد يكون مضللاً ويؤدي إلى سوء تقدير للتهديد الروسي، الذي يراه بعض المحللين الغربيين مبالغًا فيه. يؤكد الكاتب على أن التركيز على التصعيد العسكري بدلاً من الدبلوماسية قد يؤدي إلى نتائج عكسية وزيادة التوترات في أوروبا.
التحديات الداخلية في ألمانيا وتنفيذ الخطة
أحد أهم المخاوف التي أثارها ويكرت هو عدم وجود دعم شعبي كافٍ لتنفيذ هذه الخطة الطموحة. تشير استطلاعات الرأي إلى أن 59% من المواطنين الألمان يعارضون الحرب مع روسيا، وأن أغلبيتهم لن يشاركوا في الدفاع عن ألمانيا في حالة تعرضها للهجوم.
هذا يعكس عدم وجود أساس قوي للتعبئة العسكرية، كما يشير إلى وجود فجوة كبيرة بين النخب السياسية والرأي العام فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يشير ويكرت إلى أن الاقتصاد الألماني يعاني من تدهور مستمر منذ بداية الحرب في أوكرانيا، مما يضعف قدرة البلاد على تحمل تكاليف هذه الخطة العسكرية المكلفة.
تقييم القدرات العسكرية الألمانية ومستقبل الأمن الأوروبي
على الرغم من التجهيزات المخطط لها في “أوبلان ديو”، يؤكد ويكرت أن القوات والمعدات العسكرية التي ستكون ألمانيا قادرة على حشدها في العقد المقبل لن تقارن بأي حال من الأحوال بالإمكانيات التي كانت تمتلكها في بداية التسعينيات.
وهذا يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه الخطة في ردع أي عدوان روسي محتمل. في الختام، يرى الكاتب أن الخطة تعكس رؤية أوروبية متفائلة ومضللة، في مقابل تقييم أكثر واقعية للتهديد الروسي، وقد تؤدي إلى الاعتماد المتزايد على التدخل الأمريكي في أوروبا.
نحو رؤية أكثر توازناً للأمن الأوروبي
“أوبلان ديو” تمثل نقطة تحول محتملة في السياسة الأمنية الأوروبية. من الضروري إجراء تقييم شامل وموضوعي لهذه الخطة، مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة. يجب أن تتضمن هذه الرؤية الجديدة التركيز على الدبلوماسية والحوار، وتعزيز التعاون الاقتصادي، والبحث عن حلول سياسية للأزمات الجيوسياسية بدلاً من الاعتماد على التصعيد العسكري. كما يجب أخذ نبض الشارع الألماني بعين الاعتبار، وضمان وجود توافق مجتمعي حول أي سياسة أمنية جديدة. إن مستقبل الأمن الأوروبي يعتمد على تبني رؤية أكثر توازناً وواقعية، بعيدة عن التصعيد العسكري والتصورات الخاطئة.


