واشنطن تسعى لإحياء فكرة “الناتو الآسيوي المصغر” لاحتواء النفوذ الصيني المتزايد

تهدف الولايات المتحدة، مجدداً، إلى احتواء النفوذ الصيني المتنامي في منطقة المحيط الهادئ. وفقاً لتقرير نشره موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي بقلم فيديريكو جولياني، فإن إدارة بايدن، والآن الإدارة الحالية، تسعى إلى بناء ما يسمى بـ”الناتو الآسيوي المصغر“، أو تحالف عسكري وثيق يضم دولًا رئيسية في المنطقة لتقويض طموحات بكين. يعكس هذا السعي قلقاً متزايداً في واشنطن إزاء الصعود الاقتصادي والعسكري للصين، ورغبة في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

فشل المحاولة الأولى في عهد بايدن

لم تكن هذه المحاولة هي الأولى من نوعها. فخلال الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس السابق جو بايدن، كانت هناك جهود حثيثة لتشكيل شبكة تحالفات قوية يمكنها مواجهة الصين بشكل مباشر. لكن هذه الجهود باءت بالفشل، حيث أبدت دول المنطقة تحفظاتها ورفضت الانخراط في جبهة أمريكية صريحة ضد بكين.

كان بايدن يعتمد على ما وصفه برغبة دول المنطقة في الابتعاد عن النفوذ الصيني، محاولاً ضم الحلفاء الاستراتيجيين تحت مظلة حلف الناتو. إلا أن هذه الرؤية لم تلقَ تجاوباً كبيراً، بل دفعت الصين إلى تعزيز دبلوماسيتها وعلاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، وبالتالي إحباط هذه المحاولات.

استراتيجية جديدة وتركيز على البنتاغون

بعد بضع سنوات من عدم النجاح، تحاول الولايات المتحدة مجدداً بناء تحالف حول الصين. لكن هذه المرة، يبدو الأمر مختلفاً. فبدلاً من قيادة مباشرة من البيت الأبيض كما كان الحال في عهد بايدن، يتم التركيز بشكل أكبر على دور البنتاغون والأوساط العسكرية الأمريكية في دفع هذه الفكرة.

يبدو أن الإدارة الحالية ليست بنفس الحماس الذي كان لدى الرئيس بايدن في تبني هذه الاستراتيجية، مما يشير إلى تغيير في الأولويات أو تقييم للمخاطر. على الرغم من ذلك، فإن البنتاغون يرى في تشكيل تحالف عسكري قوي وسيلة ضرورية لردع الصين وضمان الأمن الإقليمي.

“مثلث استراتيجي” لاحتواء الصين

وفقاً لجولياني، فإن فكرة التحالفات الكبيرة تبدو بعيدة المنال. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يتكون الناتو الآسيوي المصغر من مجموعة صغيرة من الدول ذات وزن جيوسياسي كبير. هذه الدول تشمل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين، والتي ستشكل معاً ما يمكن وصفه بـ”مثلث استراتيجي” يهدف إلى احتواء النفوذ الصيني.

تعتبر كل من هذه الدول حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة. فقد نشرت واشنطن حوالي 28,500 جندي في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى مقاتلات وطائرات مسيرة. أما الفلبين واليابان، فهما تلعبان دوراً حاسماً في كبح النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، وترهيب بكين من خلال المنظومات الصاروخية المتطورة التي تطورها طوكيو.

تحديات ومخاوف أمام التحالف الجديد

على الرغم من الجهود الأمريكية، يواجه مشروع الناتو الآسيوي المصغر العديد من التحديات والمخاوف. فليس من السهل إقناع جميع الأطراف المعنية بالانخراط في تحالف عسكري موحد يهدف إلى مواجهة الصين. تتسم مصالح دول المنطقة بالتناقض والتعقيد، مما يجعل من الصعب التوصل إلى أرضية مشتركة.

على سبيل المثال، أبدت الفلبين تحفظات كبيرة على هذه الرؤية، وأكدت على أهمية الحفاظ على سيادتها في اتخاذ القرارات. كما أن سول، التي تعتمد على واشنطن في ردع كوريا الشمالية، لا ترغب في تعريض علاقاتها التجارية الحيوية مع الصين للخطر.

ردود فعل متباينة من الدول الأعضاء المحتملة

عندما طرحت الحكومة اليابانية، بتحريض من الولايات المتحدة، أفكاراً حول تايوان، واجهت ردة فعل صينية عنيفة وحادة، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية مقلقة. هذا يشير إلى أن أي تحالف عسكري يستهدف الصين قد يؤدي إلى تصعيد التوترات وزيادة المخاطر الإقليمية. الدول الحليفة تواجه خطر أن تصبح في خط المواجهة الأول مع الصين، دون ضمانات بحصولها على دعم كامل من الولايات المتحدة في حالة نشوب صراع.

مستقبل “الناتو الآسيوي المصغر”

في الختام، يرى جولياني أن فرص نجاح مشروع الناتو الآسيوي المصغر ضئيلة للغاية. فالتحديات والمخاوف كبيرة، والدول المعنية ليست بنفس القدر من الحماس الذي تبديه واشنطن والبنتاغون. ويبدو أن فكرة بناء تحالف عسكري قوي لاحتواء الصين ستظل مجرد حلم بعيد المنال، على الأقل في المستقبل القريب.

من الواضح أن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيط الهادئ سيكون معقداً وغير مؤكد. ومع ذلك، فإن استمرار الولايات المتحدة في السعي إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، والسعي إلى إيجاد طرق مبتكرة لردع النفوذ الصيني، سيشكل عنصراً حاسماً في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين. يمكن للقراء المهتمين بمزيد من التفاصيل حول التحالفات الإقليمية والسياسة الأمريكية في آسيا الاطلاع على مصادر إخبارية وتحليلية موثوقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version