واشنطن- كرّر الرئيس دونالد ترامب عبارة، أن هناك “تقدما كبيرا” في المحادثات لإنهاء حرب أوكرانيا. هذا التصريح، الذي يتردد صداه في الأوساط السياسية والدبلوماسية، يثير تساؤلات حول مستقبل الصراع المستمر، ومسار المفاوضات الجارية. فهل نشهد بالفعل نهاية قريبة للحرب، أم أن هذه مجرد محاولة لتهدئة التوترات؟ هذا المقال يتناول آخر التطورات في هذا الصدد، وتحليلًا للضغوط الممارسة على أوكرانيا، وموقف الإدارة الأمريكية، والتحديات التي تواجه أي اتفاق سلام دائم.

تطورات المفاوضات الأمريكية الأوكرانية: البحث عن حل

لم تكن إشارة الرئيس ترامب إلى التقدم في المحادثات هي الأولى من نوعها. فبعد أن حدد موعدًا نهائيًا لكييف للموافقة على خطته لإنهاء الحرب، تراجع لاحقًا، مؤكدًا أن “الموعد النهائي بالنسبة لي هو عندما ينجز الأمر”. هذا التراجع يعكس تعقيد الوضع، والضغوط المتزايدة على كلا الطرفين للتوصل إلى حل.

وصف وزير الخارجية ماركو روبيو عرض السلام الأمريكي بأنه “وثيقة حيّة تتنفس”، لكنه أشار إلى أنه يتطلب من أوكرانيا التنازل عن كامل منطقة دونباس، بما في ذلك المناطق التي لا تسيطر عليها روسيا حاليًا. هذا الأمر يثير قلقًا بالغًا في كييف، ويضعها أمام خيارات صعبة.

خطة السلام الأمريكية: ضمانات غامضة وشروط مُلحّة

تقدم الخطط الأمريكية ضمانات أمنية غامضة، سواء من الولايات المتحدة أو من الدول الأوروبية، وتتضمن الخطة الأصلية المكونة من 26 نقطة، أو الخطط المعدلة التي طرحتها واشنطن بعد مباحثات طويلة مع أوكرانيا (19 نقطة)، بمشاركة مستشاري الأمن القومي في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. هذه الضمانات الغامضة تثير شكوكًا حول مدى قدرتها على حماية أوكرانيا في المستقبل، وتجعلها مترددة في قبول الشروط الأمريكية.

الضغوط الأمريكية المتزايدة على أوكرانيا

في ظل التقدم العسكري الروسي، تزداد المطالب الأمريكية من كييف بتقبل الواقع الجديد. السيناتور الجمهوري إريك شميت صرح بأن من ينتقدون هذه الجهود ليس لديهم خطة بديلة، وأن أي جولة أخرى من العقوبات أو المساعدات المالية لن تحل المشكلة. هذا التصريح يعكس يأسًا متزايدًا في واشنطن، ورغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن، حتى لو كان ذلك على حساب بعض مصالح أوكرانيا.

ضعف الموقف التفاوضي لأوكرانيا

يبدو موقف كييف التفاوضي ضعيفًا، خاصة بعد فضيحة الفساد في وزارة الدفاع وعقود الطاقة، وما تبعها من أزمة سياسية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التقدم الروسي والمكاسب العسكرية على الأرض في إضعاف موقف أوكرانيا. إدارة ترامب ترى أنه بعد أربع سنوات من القتال، وعدم قدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها عسكريًا، فإن التفاوض على شروط واقعية هو الخيار الأفضل، لأن أي صفقة قادمة بعد شهور ستكون أسوأ.

وجهة النظر الأوروبية: سلام دائم وموضوعي

في المقابل، يرى الجانب الأوروبي ضرورة تضمين أي اتفاق سلام ظروفًا عملية موضوعية، ليس فقط لوقف القتال لفترة قصيرة، بل لفرض سلام دائم. هذا الاختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وأوروبا يزيد من تعقيد المفاوضات، ويجعل التوصل إلى اتفاق نهائي أمرًا صعبًا.

رد فعل أوكرانيا: السلام ليس بأي ثمن

تؤكد كييف أنها تريد السلام، لكن ليس بأي ثمن. وقد برهنت على ذلك بالرد على الضغوط الأمريكية للموافقة على اتفاق بشروط بدت أقرب للاستسلام، من خلال إرسال كبار المسؤولين إلى المحادثات في جنيف. هذا الرد القوي يؤكد تصميم أوكرانيا على الدفاع عن سيادتها ومصالحها، ورفضها لأي حلول تضر بكرامتها.

تحليل الخبراء: ضغوط ترامب ورسائل متباينة

في حديث للجزيرة نت، رأى خبير السياسة الخارجية والدبلوماسي السابق ولفغانغ بوستزتاي أن المفاوضات الجارية تختلف عن المحاولات السابقة غير الناجحة لوقف القتال، وأن ترامب يمارس حاليًا ضغوطًا كبيرة على أوكرانيا للموافقة على معظم مطالب روسيا. وأشار إلى أن وجود كل من ستيف ويتكوف ومستشار ترامب جاريد كوشنر، إلى جانب وزير الخارجية روبيو، يبعث رسالة هامة للأوكرانيين والأوروبيين حول جدية واشنطن هذه المرة.

ستيفن سيستانوفيتش، المسؤول السابق بالخارجية، أكد أن ترامب يريد من الطرفين التوصل إلى تسوية، لكنه لا يبذل الكثير لدفع الروس في هذا الاتجاه. وأضاف أن العقوبات الأمريكية لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وأن المساعدات العسكرية لأوكرانيا لم تستأنف.

الضمانات الأمنية: نقطة الخلاف الرئيسية

تحدث مسؤولون، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، عن حصول أوكرانيا على حماية مماثلة للمادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو. هذه هي القضية الرئيسية التي تقول أوكرانيا إنها لا تستطيع التفاوض عليها، ولا تقبل إلا بها.

مستقبل المفاوضات: هل تقبل أوكرانيا بالخطة المعدلة؟

مع ضبابية طبيعة الضمانات الأمنية المقدمة، قد تضطر أوكرانيا للانصياع لرغبة ترامب في إنجاز وقف إطلاق النار، وقبول تحولها إلى دولة محايدة. ومع ذلك، يبقى مستقبل المفاوضات غامضًا، ويتوقف على مدى قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول وسط ترضي الجميع. حرب أوكرانيا لا تزال في منعطف حاسم، والجهود الدبلوماسية مستمرة لإيجاد طريق نحو السلام.

البيانات الصادرة عن البيت الأبيض تؤكد على التزام واشنطن بضمان سيادة أوكرانيا وأمنها وازدهارها، وأن هذه الجهود تهدف إلى إنهاء الحرب ومنع خسارة المزيد من الأرواح. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق السلام الدائم، أم أن الصراع سيستمر؟ المفاوضات الأوكرانية الروسية تحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد، وربما إلى تغيير في الاستراتيجيات المتبعة. الوضع في أوكرانيا يتطلب حلولًا جذرية ومستدامة، تضمن حقوق جميع الأطراف وتحقق الاستقرار في المنطقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version