مع استمرار النشاط الشمسي في التصاعد نحو ذروته المتوقعة في عامي 2025 و 2026، تزداد المخاوف بشأن تأثيره على التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الطيران. وقد تجسدت هذه المخاوف مؤخرًا في حادثة طائرة إيرباص “إيه 320” التي اضطرت للهبوط اضطراريًا بسبب خلل يُعتقد أنه مرتبط بالطقس الفضائي، مما سلط الضوء على أهمية الاستعداد لمثل هذه الأحداث.
تأتي هذه الحادثة في وقت تشهد فيه الشمس دورة نشاط متزايدة، مما يزيد من احتمالية حدوث عواصف شمسية وانبعاثات إكليلية قوية. هذه الظواهر يمكن أن تؤثر على أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية، وحتى على الطائرات، مما يستدعي اتخاذ تدابير وقائية لضمان سلامة العمليات الجوية وحماية البنية التحتية التكنولوجية.
تأثيرات الطقس الفضائي على الطيران
النشاط الشمسي المتزايد يعني زيادة في تدفق الجسيمات المشحونة والإشعاعات عالية الطاقة نحو الأرض. هذه الجسيمات يمكن أن تتسبب في حدوث اضطرابات في الأنظمة الإلكترونية للطائرات، مما قد يؤدي إلى أخطاء في الملاحة أو التحكم. ويقول الدكتور علي عبده، عالم الفيزياء النووية، أن هذه الجسيمات يمكن أن تغير بتات البيانات داخل الأنظمة الإلكترونية، مما يؤدي إلى قراءات خاطئة أو سلوك غير متوقع.
تعتبر الطائرات التي تحلق على ارتفاعات عالية، خاصة تلك التي تسلك مسارات القطبية، أكثر عرضة للتأثر بالإشعاع الشمسي. وذلك لأن الغلاف الجوي يوفر حماية أقل على هذه الارتفاعات، مما يسمح لمزيد من الجسيمات المشحونة باختراق الطائرة.
حادثة طائرة إيرباص A320
في أكتوبر الماضي، اضطرت طائرة إيرباص “إيه 320” تابعة لشركة “غيت بلو إيرويز” إلى الهبوط اضطراريًا في فلوريدا بعد انخفاض مفاجئ وغير مبرر. أظهرت التحقيقات أن المشكلة كانت مرتبطة بنظام التحكم في الطائرة، وتحديدًا وحدة “إي إل إيه سي بي”، وأن نسخة برمجيات معينة (إل 104) كانت عرضة للتأثر بالإشعاع الشمسي.
أصدرت إيرباص على الفور “إشعارًا عاجلاً لمشغلي الطائرات” توصي فيه باستبدال وحدة التحكم أو الرجوع إلى نسخة برمجية سابقة أقل عرضة للخطر. وقد استغرقت عملية الإصلاح حوالي 3 ساعات لكل طائرة.
هل هذه الحادثة فريدة من نوعها؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يؤثر فيها الطقس الفضائي على الطيران. فقد شهدت السنوات الماضية عدة حوادث مماثلة، مثل انقطاع الاتصالات بسبب التوهجات الشمسية، أو اضطرابات في أنظمة الملاحة بسبب العواصف الشمسية. على سبيل المثال، تسببت عاصفة شمسية قوية في عام 1989 في انهيار شبكة كهرباء كيبيك، كما أثرت على الطيران في أمريكا الشمالية.
وفي عام 2003، أدى توهج شمسي إلى تعطل خدمات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لعدة ساعات، مما أثر على الطائرات والسفن والعمليات العسكرية. كما شهدت رحلات الطيران في سبتمبر 2017 تشويشًا في الاتصالات بسبب عاصفة شمسية أخرى.
الاستعداد لمستقبل الطيران في ظل النشاط الشمسي
مع اقتراب دورة الشمس 25 من ذروتها، من المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة العواصف الشمسية. لذلك، من الضروري أن تتخذ شركات الطيران والجهات التنظيمية خطوات استباقية لضمان سلامة العمليات الجوية وحماية البنية التحتية التكنولوجية. ويشمل ذلك تحسين أنظمة التنبؤ بالطقس الفضائي، وتطوير تقنيات مقاومة للإشعاع، وتدريب الطيارين والمهندسين على التعامل مع الحالات الطارئة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الضروري إعادة النظر في مسارات الطيران وتوقيت الرحلات لتجنب المناطق الأكثر عرضة للإشعاع الشمسي خلال فترات النشاط الشمسي الشديد. كما يمكن استكشاف استخدام مواد واقية لتقليل تأثير الإشعاع على الطائرات.
من المرجح أن تشهد الأشهر والسنوات القادمة المزيد من الأبحاث والتطوير في مجال حماية الطيران من الطقس الفضائي. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال عن كثب، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة وفعالية الطيران في ظل الظروف المتغيرة.
في الختام، تظل مراقبة النشاط الشمسي وتطوير استراتيجيات للتخفيف من آثاره على الطيران أمرًا بالغ الأهمية. من المتوقع أن تستمر الجهود في هذا المجال، مع التركيز على تحسين التنبؤات، وتطوير التقنيات المقاومة للإشعاع، وتعزيز التعاون الدولي. سيكون من المهم متابعة التطورات في هذا المجال خلال ذروة دورة الشمس 25 وما بعدها.


