انتزعت المملكة العربية السعودية مكانة مرموقة في مجال الحوسبة الفائقة، حيث تم الإعلان عن تصنيف حاسوبها العملاق “شاهين 3” كأقوى حاسوب في منطقة الشرق الأوسط والـ18 على مستوى العالم. يأتي هذا الإنجاز بفضل قدرات معالجة هائلة تمكن الباحثين من إجراء أبحاث متطورة في مجالات متعددة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ. وقد تم الإعلان عن التصنيف خلال المؤتمر الدولي للحوسبة عالية الأداء في نوفمبر 2025.

الحواسيب الفائقة، المعروفة أيضًا بالحواسيب العملاقة، هي أجهزة مصممة لتنفيذ عمليات حسابية معقدة بسرعة فائقة تفوق بكثير قدرات الحواسيب الشخصية التقليدية. تستخدم هذه الحواسيب في محاكاة الظواهر الطبيعية، وتحليل البيانات الضخمة، وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وهي أدوات أساسية للتقدم العلمي والابتكار التكنولوجي.

“شاهين 3” .. قوة حوسبة جديدة للمنطقة

حاسوب “شاهين 3″، الذي تم تطويره في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) بالشراكة مع شركة هيوليت باكارد إنتربرايز، يمثل قفزة نوعية في قدرات الحوسبة في المنطقة. يتميز الحاسوب بقدرة معالجة تتجاوز ثلاثة أضعاف قدرة الجيل السابق، مما يجعله أداة لا تقدر بثمن للباحثين في مختلف التخصصات. يعتمد الحاسوب على 2800 شريحة فائقة من شركة إنفيديا، تجمع بين معالجات الحوسبة والذكاء الاصطناعي.

يستخدم “شاهين 3” نظام تبريد مبتكر يعتمد على السائل المباشر، وهو ما يضمن استقرار أداء الجهاز وكفاءته العالية حتى مع الأحمال الثقيلة. هذا النظام يماثل عمل الجهاز الدوري في الكائنات الحية، حيث يضمن تدفقًا مستمرًا للحفاظ على الأداء الأمثل.

تطبيقات واسعة النطاق

ومن المتوقع أن يكون لحاسوب “شاهين 3” تأثير كبير على مجالات البحث والتطوير في المملكة العربية السعودية والمنطقة. تشمل التطبيقات الرئيسية تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتخصصة باللغة العربية، لتعزيز معالجة اللغة الطبيعية وفهم السياقات الثقافية المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، سيسهم الحاسوب في إنشاء “توأم رقمي” لشبه الجزيرة العربية، وهو نموذج محاكاة متكامل يجمع بين البيانات المتعلقة بالطقس والمناخ والبيئة، بهدف تحسين إدارة الموارد الطبيعية والتنبؤ بالكوارث الطبيعية. هذا المشروع يعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة البيئية في المنطقة.

كما سيتم استخدام “شاهين 3” في تطوير أدوات جديدة لتحسين إدارة الزراعة والمياه، وخاصة للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والتمور. ويتوقع أن يدعم الحاسوب أيضًا جهود المراقبة الآلية للمحميات الطبيعية، باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد، و تطوير مختبر كيمياء روبوتي للبحث عن مواد جديدة.

تعزيز الأبحاث في مجالات حيوية

ووفقا لبيان صادر عن جامعة كاوست، سيساهم الحاسوب العملاق في تعزيز الأبحاث المتعلقة بتشخيص الأمراض النادرة، وتحسين تقنيات التصوير الطبي، وفهم اضطرابات طيف التوحد بشكل أفضل من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء. تضاف هذه المجالات إلى قائمة طويلة من التطبيقات المحتملة

صرح البروفيسور السير إدوارد بيرن، رئيس جامعة كاوست، بأن “شاهين 3” يضع المملكة العربية السعودية في موقع ريادي في مجال الأبحاث التي تعتمد على الحوسبة عالية الأداء، مما سيمكن الباحثين من تحقيق اكتشافات علمية مهمة وتقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المملكة والعالم. من جهتها، عبرت تريش دامكروجر، نائبة الرئيس الأول في شركة هيوليت باكارد إنتربرايز، عن فخر الشركة بتقديم هذه التكنولوجيا المتقدمة لدعم جهود جامعة كاوست في مجال البحث العلمي والابتكار.

تعتبر قصة “شاهين 3” مثالا على التوجه المتزايد نحو الاستثمار في البنية التحتية الرقمية و تكنولوجيا الحاسوب المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط، و يُتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وفي الختام، من المقرر أن تشهد الأشهر القادمة بدء تشغيل المشاريع البحثية التي ستعتمد على قدرات “شاهين 3″، مع التركيز على المجالات ذات الأولوية الوطنية والإقليمية. يبقى التحدي الأكبر هو تدريب الكوادر البشرية المتخصصة في الحوسبة عالية الأداء للاستفادة الكاملة من هذه الإمكانات. ستكون النتائج الأولية لهذه المشاريع مؤشرًا على مدى نجاح هذه المبادرة في تحقيق أهدافها الطموحة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version