عادة ما يتكون الذهب داخل ما يعرف بـ”الأنظمة الأوروجينية”، حين تدفع الحركات التكتونية بالمعادن نحو الأعماق، لتتبلور تحت درجات حرارة وضغط مرتفعين. لكنّ فريقا بحثيا مغربيا اكتشف مؤخرا ظروفا نادرة أدت إلى تكوين الذهب في منجم “ميلينت” بمنطقة درعة السفلى في جبال الأطلس الصغير، وهو اكتشاف يغير فهمنا لكيفية تشكل هذا المعدن الثمين.

يقع المنجم في منطقة ذات أهمية جيولوجية كبيرة، وهي الجزء الشمالي من “الدرع الغرب أفريقي”، أحد أقدم نوى القارات على سطح الأرض. تتكون الصخور في المنطقة من صخور ريوليتية بركانية قديمة تعرضت للضغط والطي والانكسار عبر الزمن. هذا الاكتشاف الجديد يمثل إضافة فريدة لرواسب الذهب المعروفة في المغرب.

قصة ميلاد الذهب في منجم ميلينت

وفقا للدكتور سعيد إلمن، أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة ابن زهر بالمغرب، فإن منجم ميلينت يختلف عن منجم “أزوكار نتيلي” المجاور، الذي يحتوي على ذهب مرتبط بمعادن الكبريتيد. ميلينت يحتوي على “معادن تيلوريدية” و”مونازيت هيدروحرارية”، مما يشير إلى أصل بركاني مائي مختلط للذهب، وهو أمر غير معتاد.

يبدأ تشكل الذهب في ميلينت بحرارة تفوق 500 درجة مئوية من النشاط البركاني القديم. تسربت مياه حارة غنية بالمعادن عبر الشقوق العميقة في القشرة الأرضية، حاملة معها الذهب والفضة والتيلوريوم. عندما بردت هذه المياه، بدأ الذهب يترسب ويتشكل داخل الشقوق الصخرية.

تفاعل فريد بين النار والماء

يتميز منجم ميلينت بتفاعل فريد بين حرارة البراكين القديمة والمياه المعدنية العميقة. هذا التفاعل أتاح تكوين “ذهب نقي” لا يرتبط بالكبريت أو الحديد، كما هو الحال في معظم مناجم الذهب الأخرى. كما أن الارتباط بين الذهب والتيلوريوم يجعله نموذجا جيولوجيا فريدا في أفريقيا.

أظهرت التحاليل وجود معادن مثل الكلوريت والمسكوفايت في جدران العروق، مما يشير إلى حركة مكثفة للمياه الحارة في الفوالق العميقة. كما كشفت عن مرحلتين من التمعدن، الأولى غنية بالعناصر الأرضية النادرة، والثانية شهدت ترسيب الذهب والتيلوريدات.

أهمية اكتشاف الذهب في منجم ميلينت

يؤكد الدكتور إلمن أن هذا الاكتشاف يقدم مؤشرات جديدة للاستكشاف المعدني في المغرب وشمال أفريقيا. وجود معادن مثل المونازيت الهيدروحراري والتيلوريدات يشير إلى أنظمة جيولوجية عميقة ذات إمكانات اقتصادية واعدة. الذهب في ميلينت يمثل فرصة لتطوير قطاع التعدين في المنطقة.

بالإضافة إلى الذهب، قد تحتوي المنطقة على معادن أخرى ذات قيمة اقتصادية. فهم العمليات الجيولوجية التي أدت إلى تكوين الذهب في ميلينت يمكن أن يساعد في تحديد مناطق أخرى محتملة للاستكشاف. الاستكشاف المعدني في المغرب يشهد تطورات متسارعة في السنوات الأخيرة.

بدأ المشروع البحثي عام 2022 برحلة استكشافية وجمع عينات. استخدم الفريق المجهر الإلكتروني الماسح في 2023 لتحليل المعادن، ثم صور الأقمار الصناعية في 2024 لرسم الخرائط. نشرت النتائج في ديسمبر 2025، مما يمثل تتويجا لجهود بحثية مكثفة.

يتوقع الدكتور إلمن وفريقه، بالتعاون مع الجهة المالكة لتصريح الاستكشاف، استكمال الدراسات الحرارية والضغطية، وربما إجراء دراسات تأريخ نظائري لتحديد العمر الزمني الدقيق لتكون الذهب في منجم ميلينت. ستساعد هذه الدراسات في فهم أفضل للعمليات الجيولوجية التي أدت إلى تكوين هذا المورد الثمين، وتحديد إمكانات التوسع في المنطقة. تبقى التحديات المتعلقة بالتمويل والتراخيص هي العوامل الحاسمة في تحديد مسار المشروع في المستقبل القريب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version