نجت عائلة تركية من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير 2023، لكنها واجهت كارثة جديدة بعد أكثر من شهر، بسبب ما يُعرف بـ”الأنهار الجوية” الغزيرة. هذه الظاهرة المناخية القوية، التي تسببت في انهيارات أرضية وفيضانات، تُظهر كيف أن الكوارث الطبيعية يمكن أن تتسلسل وتتفاقم، مما يخلق تحديات إضافية للمناطق المتضررة.
يقول هاكان تانياس، الأستاذ المساعد في جامعة توينتي بهولندا، والذي شارك في توثيق تأثيرات هذه الظاهرة، إن العائلة انتقلت إلى منزلها الريفي بعد الزلزال، معتقدة أنه أكثر أمانًا. لكن الأمطار الغزيرة التي جلبها النهر الجوي تسببت في انهيار أرضي دمر منزلهم، وخلت العائلة بلا مأوى.
سيناريو “دومينو الكوارث” والأنهار الجوية
تُعد قصة هذه العائلة مثالاً على ما يمكن تسميته بـ”دومينو الكوارث”، حيث يضعف الزلزال المنحدرات الجبلية، ثم تؤدي الأمطار الغزيرة إلى انهيارات أرضية وفيضانات. الأنهار الجوية هي ممرات هوائية ضيقة وطويلة تحمل كميات هائلة من بخار الماء من المحيطات. وعندما تصل إلى اليابسة، خاصة المناطق الجبلية، تفرغ محتوياتها على شكل أمطار غزيرة ومركزة.
تُعتبر هذه الظاهرة من أخطر الظواهر المناخية الحالية لقدرتها على إنتاج كميات كبيرة من الأمطار في فترة قصيرة، مما يزيد من معاناة المناطق المتضررة من الزلازل. تشير الدراسات إلى أن الأنهار الجوية يمكن أن تجلب أمطارًا تعادل ما يهطل عادةً خلال أسابيع، في غضون ساعات قليلة.
الزلزال والأضرار الأولية
وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في دورية “كوميونكيشنز إرث آند إنفايرومنت”، فقد تسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في أكثر من 3500 انهيار أرضي، مما ألحق أضرارًا واسعة النطاق بالبنية التحتية. هذه الانهيارات خلقت تربة مفككة وضعيفة، مما جعلها أكثر عرضة للانهيار عند هطول الأمطار.
تأثير الأنهار الجوية
بعد 36 يومًا فقط من الزلزال، ضرب النهر الجوي المنطقة، وجلب معه أمطارًا غزيرة تجاوزت شدتها ما يُعرف علميًا بـ”التدفق البخاري المتكامل”. هطلت 183 ملم من الأمطار خلال 20 ساعة في مدينة طوت بولاية أديامان، مما أدى إلى موجة جديدة من الانهيارات الأرضية والفيضانات. أُفيد عن وفاة 12 شخصًا إضافيًا وتعطيل مخيمات النازحين، مما أعاق جهود الإغاثة.
الجمع بين الزلزال والأنهار الجوية يخلق حالة فريدة من نوعها. الزلزال يضعف المنحدرات، والأنهار الجوية تزيد من خطر الانهيارات والأفيضانات، وفقًا لنتائج الدراسة، هذا التتابع لم يتم توثيقه من قبل على هذا النحو.
مخاطر متفاقمة وتغير المناخ
يؤكد الخبراء أن الأمر لا يتعلق بحدثين منفصلين، بل بتفاعل معقد يتطلب فهمًا شاملاً. الزلزال يزيد من هشاشة المنحدرات، في حين أن الأنهار الجوية تزيد من الضغط عليها. الظروف الجوية الأخرى، مثل ذوبان الثلوج، تزيد الوضع سوءًا.
كما يربط الباحثون بين زيادة تواتر وشدة الأنهار الجوية وتغير المناخ. وتشير التوقعات إلى أن هذه الأنهار ستصبح أكثر قوة في المستقبل، مما يزيد من خطر الفيضانات والانهيارات الأرضية في المناطق الجبلية. دراسة أخرى تتحدث عن زيادة تواتر الأنهار الجوية بمعدل يوم إضافي كل عقد.
أهمية الاستعداد والتخفيف من آثار الأنهار الجوية
تُظهر هذه الدراسة أهمية تحسين أنظمة الإنذار المبكر والاستعداد للكوارث، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المتتالية. إن فهم كيفية تفاعل الزلازل مع الظواهر الجوية الأخرى يمكن أن يساعد في حماية المجتمعات بشكل أفضل.
وتقول دنيز بوزكورت، الأستاذة المشاركة في جامعة فالبارايسو في تشيلي، إن بيانات الأنهار الجوية توفر أداة حاسمة لتقييم المخاطر بعد الزلازل. وتضيف أن دمج هذه البيانات مع نماذج استقرار المنحدرات يمكن أن يساعد في التنبؤ باحتمال حدوث انهيارات أرضية وفيضانات.
الاستجابة الفعالة تتطلب تقييمًا شاملاً للمخاطر، وتخطيطًا مسبقًا، وتنسيقًا بين مختلف الجهات المعنية. يجب أيضًا إعطاء الأولوية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، مثل النساء والأطفال وكبار السن.
في الختام، تُظهر هذه الدراسة مدى تعقيد الكوارث الطبيعية وكيف يمكن أن تتسلسل وتتفاقم. يجب على السلطات والمجتمعات المعرضة للزلازل أن تستعد لهذه المخاطر المتتالية من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتخطيط الاستجابة للطوارئ، والعمل على التخفيف من آثار تغير المناخ. من المتوقع أن تواصل الأنهار الجوية تزايد شعبيتها وخطورتها، مما يستدعي مزيدًا من البحث والاستعداد.


