بينما يقترب عام 2026، لا يزال البحث العلمي العربي يواجه تحديات هيكلية مزمنة تعيق تقدمه، مما يجعل الحديث عن إمكانية تحقيق نقلة نوعية أمراً متكرراً. يركز النقاش الدائر بين الباحثين على ضرورة معالجة هجرة العقول، وزيادة التمويل، وتبسيط الإجراءات الحكومية، مع إجماع على الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها الباحثون العرب إذا ما توفرت لهم البيئة المناسبة.

يرى الدكتور علي البقلوطي، أستاذ الرياضيات بجامعة صفاقس التونسية، أن الأولوية القصوى تكمن في وضع خطط عملية لوقف نزيف الكفاءات العربية. وأشار إلى أن قلة الفرص الوظيفية الجيدة في المنطقة تدفع العديد من الباحثين الموهوبين إلى البحث عن فرص في الخارج، حيث يمكنهم تحقيق طموحاتهم العلمية بشكل أفضل.

وقف هجرة العقول وتعزيز جودة البحث العلمي العربي

ويؤكد الدكتور البقلوطي على أهمية الاستثمار في الباحثين المتميزين، مشدداً على أن هذا الاستثمار يجب أن يكون على رأس الأولويات، حتى في ظل التحديات الاقتصادية. كما دعا إلى استقطاب دور نشر علمية عالمية إلى الجامعات العربية، لتسهيل عملية النشر على الباحثين وتقليل التكاليف المتزايدة.

ويرى أن الجامعات العربية يمكن أن تلعب دوراً محورياً في هذا المجال، من خلال تبني مشاريع طموحة تهدف إلى جذب هذه الدوريات العالمية. ويختتم الدكتور البقلوطي حديثه بالدعوة إلى إنشاء مراكز بحثية متخصصة في علوم الرياضيات في العالم العربي، مؤكداً أن هذا العلم يمثل أساساً للعديد من المجالات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.

التحديات في التقنيات الحيوية

من جهته، يرى الدكتور أحمد اللاحم، أستاذ التقنيات الحيوية بجامعة حلب السورية، أن توفير معامل مجهزة بأحدث التقنيات هو شرط أساسي لتقدم البحث العلمي في هذا المجال. ويؤكد أن الباحثين السوريين يمتلكون القدرات والكفاءات اللازمة، لكنهم يفتقرون إلى الإمكانات المادية والبنية التحتية.

ويطالب الدكتور اللاحم بتوفير الدعم المالي لإيفاد الباحثين إلى الخارج للمشاركة في المؤتمرات الدولية والبعثات الدراسية، مشيراً إلى أن هذه المشاركات توقفت منذ عام 2005 تقريباً. كما يشدد على ضرورة تبسيط الإجراءات الإدارية وتسريع وتيرة الموافقات، لتمكين الباحثين من إنجاز أبحاثهم بكفاءة وفعالية.

التركيز على الجودة والتطبيق

أما الدكتور ناصر الراوي، رئيس قسم هندسة الليزر والإلكترونيات البصرية بجامعة دجلة في العراق، فيؤكد على أهمية توجيه التمويل نحو جودة الأبحاث، وليس مجرد زيادتها. ويشير إلى أن هناك حاجة إلى ربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع، لضمان أن تكون الأبحاث ذات فائدة عملية وملموسة.

ويؤكد الدكتور الراوي على ضرورة تعزيز التعاون بين البحث العلمي والقطاع الصناعي، وإقامة شراكات حقيقية بين الفرق البحثية في العالم العربي ونظيراتها في الدول الغربية. ويضيف أن الدول العربية يجب أن تخصص نسبة أكبر من إجمالي الناتج القومي للبحث العلمي، وأن تنظر إليه باعتباره استثماراً أساسياً في المستقبل.

ويشير إلى أن العديد من الدول العربية لا تنفق حالياً أكثر من 1% من إجمالي الناتج القومي على البحث العلمي، وهو ما يعتبر نسبة ضئيلة مقارنة بالدول المتقدمة. ويؤكد على أهمية الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة، والعمل على تطوير تقنيات محلية لتلبية احتياجات المنطقة.

ويختتم الدكتور الراوي حديثه بالدعوة إلى تغيير النظرة السلبية للبحث العلمي، والتأكيد على أنه ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

في الختام، يظل مستقبل البحث العلمي العربي معلقاً على قدرة الحكومات والمؤسسات التعليمية على معالجة التحديات الهيكلية المزمنة، وتوفير البيئة المناسبة للباحثين الموهوبين. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة حول موازنات البحث العلمي، وسبل تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، مع التركيز على أهمية الجودة والتطبيق في الأبحاث العلمية. يبقى التمويل والسياسات الداعمة هما العاملين الرئيسيين اللذين سيحددان مسار التقدم في هذا المجال الحيوي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version