كشفت دراسة حديثة عن سلوك فريد من نوعه في عالم الحشرات، حيث استخدمت أنواع من **النحل** تجاويف الأسنان في عظام الحيوانات القديمة كأماكن لوضع بيضها، في اكتشاف يعود إلى حوالي 20 ألف عام. يمثل هذا أول دليل معروف على استخدام النحل لعظام الحيوانات في بناء أعشاشه، ويقدم رؤى جديدة حول سلوك الحشرات القديمة وتكيفها مع البيئة.

تأتي هذه الاكتشافات من كهف في جزيرة هيسبانيولا الكاريبية، وهو موقع أثري غني بالبقايا الأحفورية. على مر آلاف السنين، كان الكهف مأوى لأنواع مختلفة من الطيور الجارحة، مثل البوم، والتي تركت وراءها كميات كبيرة من عظام فرائسها.

اكتشاف أعشاش النحل القديمة

وجد فريق البحث، بقيادة لازارو فينيولا لوبيز من متحف فيلد في شيكاغو، طبقات من الأحافير في الكهف، بما في ذلك عظام القوارض والسحالي والطيور والزواحف. ولفت انتباههم بشكل خاص وجود تراكيب غريبة داخل تجاويف الأسنان في بعض عظام الثدييات.

أظهرت الفحوصات الدقيقة، باستخدام التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد، أن هذه التراكيب تشبه بشكل ملحوظ أعشاش الدبابير والنحل المعروفة. بالإضافة إلى ذلك، تم العثور على حبيبات لقاح متحجرة داخل هذه الأعشاش، مما يؤكد أنها كانت تستخدم من قبل النحل لتخزين الغذاء ليرقاته.

كيف استغل النحل العظام؟

يعتقد الباحثون أن النحل ربما اختار تجاويف الأسنان في العظام كبديل آمن لبناء أعشاشه، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في التربة المناسبة. كما أن العظام قد وفرت حماية إضافية للبيض واليرقات من الحيوانات المفترسة الأخرى، مثل الدبابير وأنواع أخرى من الحشرات.

عملية بناء الأعشاش تضمنت مزج النحل للتراب مع لعابه لتشكيل مادة طينية استخدموها لملء تجاويف الأسنان وتكوين خلايا صغيرة. وقد استخدموا عظامًا من أكثر من 50 نوعًا مختلفًا من الحيوانات على مر العصور.

أهمية الاكتشاف وتأثيره على فهم سلوك الحشرات

يمثل هذا الاكتشاف دليلاً فريداً على قدرة **النحل** على التكيف والابتكار في استغلال الموارد المتاحة في بيئته. كما أنه يسلط الضوء على أهمية الكهوف والمواقع الأثرية كمصادر قيمة لفهم تاريخ الحياة على الأرض، وتطور سلوك الكائنات الحية. يشكل هذا الاكتشاف إضافة مهمة لدراسة الحشرات القديمة (entomology) وعلم الحفريات.

وفقًا للباحث لوبيز، فإن جزيرة هيسبانيولا تتميز بتشكيلات جيولوجية فريدة من نوعها، مما يجعلها موقعًا مثاليًا لحفظ السجلات الأحفورية عبر آلاف السنين. الكهوف الجيرية المتعددة في الجزيرة توفر بيئة مستقرة تحمي البقايا العضوية من التحلل.

على الرغم من عدم العثور على بقايا مباشرة للنحل داخل الأعشاش، فقد تمكن الباحثون من التعرف على نوع جديد من النحل بناءً على خصائص الأعشاش التي بناها، وأطلقوا عليه اسم *Oenocéphale almontii* تكريماً للمكتشف خوان ألمونتي ميلان.

تشير الدراسة إلى أن هذا النوع من **النحل** قد يكون لا يزال موجودًا حتى اليوم، أو ربما يكون قد انقرض مع العديد من الحيوانات الأخرى التي وجدت بقاياها في الكهف. البحث المستمر يهدف إلى تحديد صلة هذه الأنواع القديمة من **النحل** بمثيلاتها الحية.

يخطط فريق البحث لمواصلة دراسة الأحافير في كهوف هيسبانيولا، بهدف تجميع المزيد من الأدلة حول سلوك **النحل** القديم والبيئة التي عاش فيها. من المتوقع أن يتم نشر نتائج إضافية في غضون عامين، والتي قد تلقي مزيدًا من الضوء على تاريخ الحشرات وتطورها.

تبقى دراسة هذه الأعشاش الأحفورية مجالًا واعدًا لاكتشاف معلومات جديدة حول سلوك الحشرات القديمة وتفاعلاتها مع البيئة المحيطة بها. كما تذكرنا بأهمية الحفاظ على المواقع الأثرية والكهوف، حيث يمكن أن تحتوي على كنوز دفينة من المعرفة حول ماضي كوكبنا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version