ليس من السهل تصور رابط وراثي يجمع بين الذئب الرمادي والكلب الشيواوا، ولكن تحليلاً جينومياً واسع النطاق يكشف عن وجود هذا الرابط بالفعل. أظهرت دراسة حديثة أن العديد من الكلاب الحديثة لا تحمل فقط آثار التدجين القديم، بل أيضاً دليلاً على تهجين لاحق مع الذئاب بعد استقرار الكلاب المنزلية. هذه النتائج تلقي الضوء على تاريخ الكلاب المعقد وعلاقتها بالذئاب.
نشرت الدراسة، التي أجريت في الأول من ديسمبر 2025، في دورية “بي إن إيه إس” (PNAS)، واستندت إلى تحليل أكثر من 2700 جينوم لكلاب وذئاب من فترات زمنية مختلفة. تُظهر النتائج أن نحو 64.1% من كلاب السلالات المسجلة تحمل كمية قابلة للكشف من الحمض النووي للذئب، مما يشير إلى أن التهجين كان أكثر شيوعاً مما كان يعتقد سابقاً.
التهجين وتاريخ الكلاب
اعتمدت الدراسة على تجميع وفحص بيانات جينومية شاملة لكلاب وذئاب، تمتد عبر فترة زمنية طويلة من أواخر العصر الجليدي حتى العصر الحديث. ركز الباحثون على تحديد “مقاطع” من الحمض النووي تعود إلى الذئاب داخل جينومات الكلاب، مما سمح لهم بتتبع تاريخ التهجين.
كانت النتائج أكثر وضوحاً في حالة “كلاب القرى”، وهي الكلاب التي تعيش بالقرب من البشر دون أن تكون جزءاً من سلالات معيارية. أظهر التحليل وجود أثر للذئب في جميع عينات كلاب القرى التي تم فحصها. هذا يشير إلى أن التهجين المستمر مع الذئاب ربما لعب دوراً مهماً في تطور الكلاب المنزلية.
التهجين المتعمد وأثره على السلالات
في حالات التهجين المتعمد، حيث يقوم المربون بتهجين أنواع معينة من الكلاب لإنتاج صفات محددة، بلغت نسب إرث الذئب نحو 23% إلى 40%. بينما سجلت السلالات الأخرى نسباً أعلى في بعض كلاب الصيد والرعي، والتي كانت مرتبطة تاريخياً بالعمل في البيئات المفتوحة. هذا يشير إلى أن التهجين ربما كان مفيداً في بعض الحالات، حيث أضاف صفات مرغوبة مثل حاسة الشم القوية.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن أن بعض مقاطع الحمض النووي الخاصة بالذئب تتكرر بشكل ملحوظ في مناطق جينية مرتبطة بحاسة الشم لدى كلاب القرى. وهذا يتماشى مع فكرة أن الكلاب التي تعيش بالقرب من البشر كانت بحاجة إلى حاسة شم قوية للعثور على الطعام والموارد الأخرى.
تأثير التهجين على التطور
تشير الدراسة إلى أن التدجين لم يكن قطيعة وراثية كاملة بين الكلب والذئب، بل كان عملية معقدة تخللتها عودة جينية متقطعة من البرية إلى البيئة المنزلية. هذا يعني أن الكلاب ربما احتفظت ببعض الصفات من أسلافها الذئاب، مما ساعدها على التكيف مع البيئات المختلفة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذا لا يغير حقيقة أن الكلاب حيوانات مدجنة. بل يضيف بُعداً جديداً لفهم تاريخها، وهو تاريخ شكلته الهجرات والحدود المتحركة بين المستوطنات والبراري، وضرورات العيش التي قد تجعل التهجين أقل غرابة مما نتصور. الكلاب، على الرغم من تدجينها، لا تزال تحمل في جينومها آثاراً من أصولها البرية.
التحليل الجيني يقدم رؤى جديدة حول تطور الكلاب، ويثير تساؤلات حول دور التهجين في تشكيل سلالات مختلفة. السلالات التي تظهر نسباً أعلى من الحمض النووي للذئب قد تكون أكثر عرضة لبعض الصفات السلوكية أو الفيزيائية المرتبطة بالذئاب.
في الختام، تشير هذه الدراسة إلى أن فهمنا لتاريخ الكلاب وعلاقتها بالذئاب لا يزال يتطور. من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الأبحاث في المستقبل لتحديد الآثار الوظيفية المحددة لمقاطع الحمض النووي الخاصة بالذئب الموجودة في جينومات الكلاب. سيساعد هذا في فهم أفضل لكيفية تطور الكلاب لتصبح الرفيق المخلص للإنسان. من المرجح أن يتم نشر نتائج إضافية حول هذا الموضوع بحلول نهاية عام 2026، مع التركيز على تحديد الجينات المحددة المتأثرة بالتهجين وتأثيرها على سلوك وصحة الكلاب.



