إذا كان للكون مزاج احتفالي في نهاية العام، فهذه الصورة هي بطاقته، حسبما أوضح بيان نشر على منصة مرصد جيمس ويب، الذي نشر حديثا آخر “صورة للشهر” في عام 2025. تُظهر الصورة عنقودًا نجميًا مذهلاً، وهو مثال حي على كيفية تشكل النجوم في الكون، وتُقدم لنا لمحة عن العمليات المعقدة التي تحدث في “مصانع النجوم” في مجرتنا.

يُظهر المشهد آلاف النجوم المتلألئة محاطة بسحب متوهجة من الغاز والغبار، تبدو كألسنة لهب حمراء وبرتقالية تتعرج وتلتف حول نفسها. هذا هو العنقود النجمي “وسترلوند 2″، الواقع داخل منطقة “غام 29″، على بعد يقارب 20 ألف سنة ضوئية في كوكبة القاعدة. الصورة التي التقطها التلسكوب الفضائي جيمس ويب تقدم تفاصيل غير مسبوقة لهذه المنطقة النشطة من الكون.

قصة ولادة النجوم

لكن جمال الصورة ليس مجرد عرضٍ بصري. فخلف هذا البريق قصة عن كيف تُصنع النجوم والكواكب وسط بيئات قاسية. تُعد منطقة “غام 29” واحدة من أكثر المناطق نشاطًا في مجرتنا من حيث تكوين النجوم، مما يجعلها هدفًا مثاليًا للدراسة لفهم العمليات التي تؤدي إلى ولادة هذه الأجرام السماوية.

رغم أن “وسترلوند 2” يبدو في الصورة كمدينة مزدحمة بالنجوم، فإن عرضه، حسب تقديرات الرصد، يتراوح تقريبا بين 6 و13 سنة ضوئية. ومع ذلك، فهو يحتضن بعض أكثر نجوم درب التبانة سخونة وسطوعا وكتلة، وهي نجوم فتية تولد غالبا وهي تغمر محيطها بالإشعاع، وبشكل خاص تطلق ضوءا فوق بنفسجي قويا ورياحا نجمية تَجرف ما حولها.

كيف تتشكل النجوم؟

تنشأ النجوم في السدم، وهذه السدم عبارة عن سحب من الغاز والغبار المنتشر في الفضاء، والمتكونة من عناصر عدة، أشهرها وأكثرها الهيدروجين. يحدث لسبب ما أن تضطر تلك السحب للتراكم على بعضها بعضا، ربما بسبب الموجات الضاغطة القادمة من انفجار نجم قريب أو إشعاعه الشديد بعد ميلاده، وهو ما يحدث في حالة نجوم “وسترلوند 2” اليافعة.

على مدى ملايين من السنوات، تستمر تلك السحب في التراكم على بعضها بعضا في صورة كرة هائلة، بشكل يشبه أن تجمع العصا البلاستيكية الصغيرة كتلا متراكمة من غزل البنات عليها بينما تدور، لكن بشكل أضخم بتريليونات الأضعاف بالطبع. يولد ذلك التراكم ضغطا وحرارة في المركز، وهما العاملان اللذان يساعدان التفاعلات النووية الاندماجية على أن تبدأ في مركز ذلك التكتل، حيث تتحد ذرات الهيدروجين مع بعضها بعضا لتتحول إلى هيليوم، وينشأ عن هذا التفاعل قدر الطاقة، مما يجعل النجم كيانا مشعا بالطاقة والحرارة.

الآن أصبح لدينا نجم طفل، وما أن يبدأ في استهلاك وقوده من الهيدروجين في النواة حتى يسمى “نجم تسلسل رئيسي”. هذه العملية المعقدة هي التي تشكل المجرات وتحدد مصير الكون.

أهمية دراسة العناقيد النجمية

دراسة العناقيد النجمية مثل “وسترلوند 2” توفر للعلماء فرصة فريدة لفهم مراحل تطور النجوم المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه الدراسات في فهم كيفية تأثير النجوم على البيئة المحيطة بها، وكيف تتشكل النجوم الجديدة في هذه البيئات. تُظهر البيانات الجديدة من مرصد جيمس ويب أيضًا، للمرة الأولى، التوزيع الكامل للأقزام البنية في هذا العنقود النجمي الضخم، بما في ذلك الأجسام التي يبلغ حجمها حوالي 10 أضعاف كتلة كوكب المشتري.

يُعد مرصد جيمس ويب أداة قوية بشكل لا يصدق لدراسة الكون، وقدرته على رؤية الضوء تحت الأحمر والأشعة تحت الحمراء تسمح له باختراق سحب الغبار والغاز التي تحجب رؤية التلسكوبات الأخرى. هذا يسمح للعلماء برؤية النجوم والكواكب وهي تتشكل، ودراسة تركيب الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، والبحث عن علامات الحياة.

تُظهر الصورة أيضًا العديد من النجوم الساطعة القريبة منا، والتي تخلق أنماطًا حادة على شكل نجمة بسبب بصريات ويب. النتيجة هي صورة حية لمشتل النجوم قيد التنفيذ، حيث تنحت الطاقة الشديدة من النجوم الوليدة أشكالًا دراماتيكية في السديم المحيط وتقود الدورة المستمرة لتكوين النجوم. تُعد هذه الملاحظات الجديدة من ويب بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام في فهمنا للكون.

من المتوقع أن يستمر مرصد جيمس ويب في تقديم صور وبيانات جديدة ومثيرة في السنوات القادمة. سيساعد هذا العلماء على الإجابة على بعض الأسئلة الأكثر أهمية في علم الفلك، مثل: كيف تشكلت المجرات؟ وهل نحن وحدنا في الكون؟ ستستمر هذه الاكتشافات في إلهامنا وتوسيع فهمنا لمكاننا في الكون. الخطوة التالية هي تحليل البيانات التفصيلية التي جمعها ويب لتحديد خصائص النجوم والأقزام البنية في “وسترلوند 2” بشكل أكثر دقة، وهو ما سيستغرق عدة أشهر من العمل المكثف.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version