على أنقاض الحزن، تشقُّ الفرحة طريقها في قطاع غزة، رغم ويلات الحرب المستمرة. في مشهد يجسد الصمود والإرادة الفلسطينية، احتضنت غزة حفل زفاف جماعي ضخم ضم أكثر من 200 عريس وعروس، تحت عنوان “نحب الحياة رغم الإبادة”، بدعم من مؤسسة الرباط التركية. هذا الحدث لم يكن مجرد احتفال تقليدي، بل كان رسالة للعالم بأن الحياة تنتصر على الموت، والأمل يزهر في قلب اليأس. حفل زفاف غزة هذا يمثل نقطة تحول، ومحاولة لاستعادة جزء من الحياة الطبيعية التي سُرقت من أبناء القطاع.
فرح في وجه الدمار: تفاصيل حفل الزفاف الجماعي في غزة
وسط ساحة ببلدة الزوايدة، تحوَّلت أجواء الحزن والدمار إلى ساحة عامرة بالبهجة. الزغاريد والأهازيج الفلسطينية العريقة ملأت الأجواء، معبرة عن فرحة العروسين وأهاليهم. العرسان، بزيهم الأنيق، والعرائس، بفساتينهما البيضاء المطرزة باليد، ساروا في ممر مزين بأعلام فلسطين وتركيا، تحت سقف من التصفيق والورود التي ألقاها الأطفال.
هذا الزفاف الجماعي في غزة لم يكن منعزلاً عن الواقع المؤلم الذي يعيشه القطاع. بل على العكس، كان جزءًا لا يتجزأ منه. العديد من العرسان والمدعوين كانوا ناجين من مجازر ارتكبتها قوات الاحتلال، وفقدوا أفرادًا من عائلاتهم وأصدقائهم. لكنهم قرروا التمسك بالحياة، والاحتفال بها رغم كل شيء.
“نحب الحياة رغم الإبادة”: رسالة صمود وإرادة
الحفل لم يكن مجرد مناسبة عابرة، بل كان بمثابة بيان واضح للعالم. العرسان والمشاركون أرادوا أن يوصلوا رسالة مفادها أن الفلسطينيين في غزة يستحقون الحياة، وأنهم لن يستسلموا لليأس. العريس محمد الشافعي، الذي فقد عائلته في الحرب، عبَّر عن ذلك قائلاً: “مشاركتي في هذا الحفل هي رسالة حياة وإصرار على البقاء”.
وبات واضحاً أن إرادة الحياة هي أقوى من كل قوى الدمار. العريس أحمد شلايل أكد على ذلك، قائلاً: “رغم الدم والدمار، إلا أننا نصر على التمسك بكل فرصة للفرح والسعادة”. كانت هذه الكلمات بمثابة صدىً لمشاعر جميع الحاضرين، الذين وجدوا في حفل الزفاف في غزة نافذة أمل وسط الظلام الدامس.
دعم المؤسسات الخيرية ومبادرات استعادة الحياة
لم يكن هذا الحفل ليتحقق لولا الدعم الكريم من مؤسسة الرباط التركية، التي تتصدر قائمة الجهات التي تقدم المساعدة لأهالي غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مبادرات أخرى تسعى إلى استعادة الحياة في القطاع، مثل عملية “الفارس الشهم 3” التي رعت حفل زفاف جماعي مماثل قبل أسبوعين، وشهد مشاركة 54 عريساً.
هذه المبادرات الخيرية تلعب دورًا حاسمًا في مساعدة الشباب على الإقبال على الزواج، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي فرضتها الحرب. كما تساهم في تخفيف الأعباء عن الأسر المتضررة، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لها. يعكس هذا التكاتف الإقليمي والدولي الأهمية التي يوليها الجميع لمساعدة أهل غزة في هذه الظروف الصعبة.
استعادة الأمل في ظل الهدوء النسبي
يأتي هذا الاحتفال بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي أتاح للغزيين فرصة للاستراحة واستعادة بعضًا من حياتهم المفقودة. الإقبال على الزواج في هذه الفترة يعكس رغبة الشباب في بناء مستقبل أفضل، وتجاوز الصدمات النفسية التي خلفها القتال.
علاء عبد الفتاح، المنسق الإعلامي للحفل، صرح بأن الاحتلال حاول خلال الحرب إعدام وتدمير ملامح الحياة في غزة، ولكنهم جاءوا اليوم ليحيوا الأمل في الحياة والمستقبل. وأضاف: “هذا الحفل يبعث رسالة واضحة بأن الفلسطيني في غزة جدير بالحياة”، مؤكدًا أن هذا هو شعارهم، وأنهم شعب يحب الحياة ما استطاعوا إليها سبيلًا. الاحتفالات في غزة بصورة عامة ما هي إلا محاولات لتعويض سنوات من الحرمان والظلم.
مستقبل غزة: التحديات والآمال
على الرغم من الفرحة العارمة التي سادت حفل الزفاف الجماعي، إلا أن التحديات التي تواجه غزة لا تزال هائلة. الدمار الهائل في المنازل والبنية التحتية، والوضع الإنساني المتردي، والبطالة المتفشية، كلها عوامل تعيق عملية التعافي والاعمار.
لكن رغم كل ذلك، يبقى الأمل موجودًا في قلب كل غزي. حفل الزفاف الجماعي يمثل تجسيدًا لهذا الأمل، وإثباتًا على أن الحياة يمكن أن تنتصر على الموت، وأن الفرح يمكن أن يزهر في قلب الخراب. إن دعم المجتمع الدولي المستمر، والتركيز على إعادة الإعمار وتوفير فرص العمل، أمر ضروري لتمكين غزة من تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وبناء مستقبل أفضل لأبنائها. غزة تنتفض للحياة بمثل هذه المبادرات، وتذكر العالم بصمود شعبها.


