تستكمل المحادثات بين الوفدين الأوكراني والأمريكي في برلين لليوم الثاني على التوالي، وسط تفاؤل حذر بشأن إمكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية للأزمة المستمرة. بعد إحراز تقدم وصفه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بـ”المهم”، تتجه الأنظار نحو العاصمة الألمانية حيث يجتمع قادة أوروبيون لمناقشة سبل تعزيز الدعم لأوكرانيا، وفي ظل الضغوط المتزايدة لقبول مقترحات سلام جديدة. هذه التطورات تأتي في وقت حرج، مع استمرار القتال وتصاعد المخاوف بشأن مستقبل السلام في أوكرانيا.
تطورات مفاوضات برلين والضغط الأمريكي
أجرى الوفدان الأوكراني والأمريكي مناقشات معمقة استمرت لأكثر من خمس ساعات، أسفرت عن “تقدم كبير” وفقًا لتصريحات ويتكوف. تركزت المحادثات على تعديلات مقترحة للخطة الأمريكية للسلام، والتي تشمل انسحابًا روسيًا من مناطق محتلة في الشمال والشرق الأوسط، مع بقاء القوات الروسية في مناطق الجنوب، وخاصة خيرسون وزاباروجيا.
في المقابل، يُطلب من أوكرانيا تقديم تنازلات بشأن مناطق دونباس، مع إمكانية إنشاء “منطقة اقتصادية حرة” أو “منزوعة السلاح” فيها. هذه التعديلات تثير جدلاً واسعًا، وتضع أوكرانيا أمام خيارات صعبة.
تحذيرات أوروبية من “نهاية حقبة” ومخاوف بشأن أهداف روسيا
المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حذر من أن “عقود السلام الأمريكية” قد تكون قد انتهت بالنسبة لأوروبا. وأكد ميرتس أن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتجاوز مجرد السيطرة على أجزاء من أوكرانيا، ليشمل “إحداث تغيير جذري للحدود في أوروبا واستعادة الاتحاد السوفيتي القديم”.
وأضاف ميرتس أن سقوط أوكرانيا لن يكون نقطة النهاية، بل بداية لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار. هذا التحذير يعكس قلقًا عميقًا في الأوساط الأوروبية بشأن الطموحات الروسية وتداعياتها على الأمن القاري. الأزمة الأوكرانية أصبحت بذلك تهديدًا وجوديًا لأوروبا.
موقف فرنسا وبريطانيا وتصعيد اللهجة
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر منصة إكس، على التزام فرنسا الدائم بدعم أوكرانيا، والسعي نحو “سلام متين ودائم يضمن أمن أوكرانيا وسيادتها، وأمن أوروبا على المدى الطويل”.
من جهتها، تستعد رئيسة جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) بليز متروويلي لإلقاء خطابها الأول منذ توليها المنصب، ومن المتوقع أن توجه فيه رسالة قوية إلى بوتين، تؤكد فيها على عدم تخلي بريطانيا عن أوكرانيا. هذا التصعيد في اللهجة يعكس تصميم الغرب على مواجهة التحدي الروسي.
زيلينسكي يطالب بـ”سلام كريم” وضمانات أمنية
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعا إلى تحقيق “سلام كريم” والحصول على ضمانات أمنية موثوقة تمنع روسيا من تكرار اعتداءاتها. وأوضح زيلينسكي أن وقف إطلاق النار على الخطوط الأمامية الحالية يمكن أن يكون خيارًا عادلاً في أي اتفاق سلام، لكنه شدد على أن قضية الأراضي لا تزال غير محلولة وحساسة للغاية.
في خطوة مفاجئة، أعلن زيلينسكي أن كييف قد تتخلى عن عضوية الناتو مقابل الحصول على ضمانات أمنية غربية ملزمة قانونيًا، واصفًا هذا العرض بأنه “تنازل بالفعل”. هذه الضمانات يجب أن تكون على غرار المادة الخامسة من ميثاق الناتو، والتي تنص على الدفاع المتبادل. مفاوضات السلام تتطلب تنازلات من كلا الطرفين.
الكرملين يضع شروطًا ويصف تصريحات الناتو بـ”غير المسؤولة”
الكرملين رد على تصريحات زيلينسكي، مؤكدًا أن بقاء كييف خارج حلف شمال الأطلسي يشكل “أساسًا” في المفاوضات. وأضاف الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن هذه المسألة “تستوجب مباحثات خاصة”، وأن روسيا تنتظر توضيحات من الولايات المتحدة بشأن المقترحات المطروحة.
كما انتقد الكرملين بشدة تصريحات الأمين العام للناتو مارك روته بشأن الاستعداد للحرب مع روسيا، واصفًا إياها بأنها “غير مسؤولة” وتدل على عدم فهم حقيقة أهوال الحرب.
الوضع الميداني: اشتباكات مستمرة وهجمات بطائرات مسيرة
على الصعيد الميداني، أعلن الدفاع الجوي الروسي تدمير طائرة مسيرة روسية متجهة إلى موسكو، بينما تسببت شظايا طائرة مسيرة أخرى في حريق قرب مصفاة نفط في منطقة كراسنودار. في المقابل، زعمت وزارة الدفاع الروسية أنها سيطرت على قرية فارفاريفكا في منطقة زاباروجيا الشرقية.
هذه التطورات تؤكد استمرار الاشتباكات والتوترات في الميدان، وتعقيد جهود التوصل إلى حل سلمي. الوضع الإنساني في المناطق المتضررة يزداد سوءًا، مما يستدعي تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي.
الخلاصة
تتجه الأزمة في أوكرانيا نحو منعطف حاسم، مع استمرار المفاوضات في برلين وتصاعد الضغوط على أوكرانيا لتقديم تنازلات. موقف أوروبا والولايات المتحدة متفق على دعم أوكرانيا، لكنه يختلف بشأن أفضل السبل لتحقيق ذلك. مستقبل السلام في أوكرانيا يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على إيجاد حلول دبلوماسية تضمن أمن واستقرار المنطقة، وتلبية تطلعات الشعب الأوكراني في العيش بسلام وكرامة. من الضروري استمرار الحوار والضغط الدبلوماسي لإنهاء هذه الحرب المدمرة.



