تخطط إسرائيل لإنشاء مدينة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، وهي خطوة تثير جدلاً واسعاً وتأتي في سياق جهود مستمرة لتغيير الحقائق الديموغرافية والسياسية في المنطقة. المشروع، الذي يحمل اسم “روش هعَيين الشرقية”، يهدف إلى استيعاب أكثر من 130 ألف نسمة، ويُعد امتداداً لرؤية “مليون نسمة في السامرة” التي أطلقت قبل عامين. هذه الخطوة، بالإضافة إلى قوانين حديثة تسمح بتملك اليهود للأراضي في الضفة الغربية، تزيد من تعقيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتهدد فرص تحقيق حل الدولتين.
مدينة “روش هعَيين الشرقية”: تفاصيل المشروع وأهدافه
أعلن مسؤولون من مجلس شومرون الإقليمي وبلدية روش هعَيين عن نداء مشترك لإطلاق مشروع المدينة الجديدة، التي ستُبنى على أراضٍ في “مرتفعات السامرة الغربية”. وتعتبر إسرائيل هذه الأراضي “أرض دولة”، بينما يعتبرها المجتمع الدولي أرضاً محتلة. يهدف المشروع إلى ربط “روش هعَيين الشرقية” بالأحياء الشرقية لروش هعَيين ومستوطنة ليشِم، لتشكيل كتلة حضرية وريفية متصلة. ويأتي هذا التخطيط في ظل تصاعد وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث كشفت تقارير عبرية عن المصادقة على بناء 1300 وحدة استيطانية جنوب القدس المحتلة.
“حزام أمني” أم تغيير ديموغرافي؟
يبرر مؤيدو المشروع إنشاء المدينة بأنها ستشكل “حزاماً أمنياً” لوسط إسرائيل، تحمي مناطق مثل روش هعَيين من تهديدات مستقبلية، مستشهدين بهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. يوسي داغان، رئيس مجلس شومرون الإقليمي، أكد أن الموقع يجسد قرب سلاسل جبال السامرة من المدن المركزية الإسرائيلية، معتبراً أن الاستيطان في المنطقة “حاسم ليس على المستوى الأيديولوجي فحسب، بل على المستوى الاستراتيجي أيضاً”. لكن منتقدين يرون أن هذا التبرير الأمني ما هو إلا غطاء لتغيير ديموغرافي يهدف إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
قانون تملك الأراضي في الضفة الغربية: خطوة تصعيدية
تأتي خطط إنشاء المدينة الجديدة جنباً إلى جنب مع مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون يسمح للإسرائيليين بتملك العقارات في الضفة الغربية المحتلة. هذا القانون يلغي القانون الأردني لعام 1953 الذي كان يمنع بيع وتأجير الأراضي في الضفة الغربية لغير العرب. مقدمو القانون يزعمون أنه كان “موجهاً أساساً ضد اليهود”، وهو ما يعتبره منتقدون محاولة لتبرير خطوة غير قانونية بموجب القانون الدولي.
تعزيز “السيادة” وتكثيف الاستيطان
يعتبر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بوعاز بيسموت، أن القانون “يعزز السيادة” الإسرائيلية في الضفة الغربية، مؤكداً أنه “لا يوجد سبب يمنع اليهودي من شراء أرض في يهودا والسامرة”. ويضيف أن “من مسؤوليتنا كأعضاء في الكنيست وكدولة أن ندعم الاستيطان”. هذا التصريح يعكس بوضوح النية المعلنة لتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما يثير قلقاً دولياً واسعاً. الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتبر مخالفاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
تأثيرات المشروع على عملية السلام
تأثير هذا التوسع الاستيطاني على عملية السلام وخاصة حل الدولتين، هو أمر بالغ الخطورة. فمنذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو مهامها في نهاية عام 2022، جرى المضي قدماً في بناء نحو 48 ألف وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية، بمعدل يقارب 17 ألف وحدة سنوية. هذا التوسع يهدد بإغلاق الأبواب أمام أي حل سياسي عادل يضمن حقوق الفلسطينيين.
تصاعد العنف وتأثيره على السكان
بالتزامن مع هذه التطورات، يشهد الضفة الغربية تصعيداً مستمراً في العنف من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. وفقاً لمصادر فلسطينية رسمية، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ما لا يقل عن 1080 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر 2023، وأصابوا ما يقارب 11 ألفاً، واعتقلوا أكثر من 20 ألفاً و500 شخص. هذا العنف المتصاعد يؤثر بشكل مباشر على حياة السكان الفلسطينيين ويجعل من الصعب عليهم العيش بأمان وكرامة. الضفة الغربية تشهد بذلك حالة من عدم الاستقرار المتزايد.
المستقبل المجهول والتحديات القادمة
مع استمرار التوسع الاستيطاني وصدور قوانين جديدة تسهل تملك الأراضي من قبل الإسرائيليين، يواجه الفلسطينيون تحديات جمة في الحفاظ على حقوقهم وطموحاتهم في إقامة دولة مستقلة. المجتمع الدولي مدعو للتحرك بشكل حازم لوقف هذا التوسع الاستيطاني وضمان تطبيق القانون الدولي وحماية حقوق الفلسطينيين. إن مستقبل الضفة الغربية والفلسطينيين يعتمد بشكل كبير على الضغوط الدولية والالتزام بقرارات الأمم المتحدة.
في الختام، يمثل مشروع المدينة الجديدة في الضفة الغربية وقانون تملك الأراضي تصعيداً خطيراً في الوتيرة المتزايدة للاستيطان الإسرائيلي، ويهددان بعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني، ويعرقلون بشدة أي جهود مستقبلية لتحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة. ويتطلب هذا الوضع متابعة دقيقة وتحركاً دولياً فعالاً لمنع تفاقم الأزمة وحماية حقوق جميع الأطراف.



