انتخابات صربسكا: صراع على السلطة وخلافة دوديك في ظل تحديات سياسية
يشهد سكان جمهورية صرب البوسنة (صربسكا) في البوسنة والهرسك اليوم الأحد، حدثًا سياسيًا هامًا يتمثل في انتخابات صربسكا لاختيار رئيس جديد. تأتي هذه الانتخابات في أعقاب إبعاد ميلوراد دوديك، الذي هيمن على المشهد السياسي في الكيان لأكثر من عقدين، بسبب أزمة سياسية حادة. يتوجه نحو 1.2 مليون ناخب مؤهل إلى صناديق الاقتراع لاختيار خلف لدوديك، في انتخابات مبكرة لن تؤثر على الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر 2026، لكنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات حول مستقبل المنطقة. هذه الانتخابات ليست مجرد اختيار لرئيس، بل هي انعكاس للصراع السياسي المستمر والتوازنات المعقدة في البوسنة والهرسك.
خلفية الأزمة السياسية وإبعاد ميلوراد دوديك
تصاعدت الأزمة السياسية في صربسكا بسبب سياسات دوديك الانفصالية وعلاقته الوثيقة بموسكو. وقد أدت هذه السياسات إلى مواجهة مع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، المسؤول عن مراقبة اتفاقية السلام في البوسنة والهرسك. يتمتع الممثل الأعلى بصلاحيات واسعة، بما في ذلك تعديل القوانين وإقالة المسؤولين المنتخبين، وهو ما استخدمه في مواجهة دوديك.
في أغسطس الماضي، صدر حكم بالسجن لمدة عام على دوديك، ثم تم تحويله إلى غرامة مالية، مع منعه من تولي أي منصب عام لمدة ست سنوات لعدم امتثاله لقرارات المبعوث الدولي. هذا الإجراء دفع دوديك لقبول إجراء انتخابات مبكرة لاختيار خلف له، قبيل رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه منذ حوالي عشر سنوات. الوضع يظهر مدى تعقيد المشهد السياسي في البوسنة والهرسك وتأثير القوى الخارجية عليه.
أبرز المرشحين في انتخابات صربسكا
يتنافس على منصب رئيس صربسكا ستة مرشحين، لكن المنافسة الحقيقية تتركز بين شخصيتين رئيسيتين:
سينيسا كاران: الوريث المحتمل لسياسات دوديك
يُعتبر سينيسا كاران، البالغ من العمر 63 عامًا، وزير الداخلية السابق، المرشح الأوفر حظًا في هذه الانتخابات في صربسكا. يُعرف كاران بقربه الشديد من ميلوراد دوديك، ويعتبره الكثيرون امتدادًا لسياساته. خلال الحملة الانتخابية، أكد دوديك أن التصويت لكاران يعني التصويت له شخصيًا ولرؤيته السياسية. ويرى كاران أن صربسكا يجب أن تسعى للاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة، معتبرًا أن البوسنة والهرسك “دولة مستحيلة”.
برانكو بلانوسا: تحدي من المعارضة
يمثل برانكو بلانوسا، أستاذ الهندسة الكهربائية البالغ من العمر 56 عامًا، تحديًا للمرشح المدعوم من دوديك. على الرغم من أنه شخصية أقل شهرة، إلا أنه يحظى بدعم كبير من أحزاب المعارضة المتعددة. يؤكد بلانوسا أن صربسكا تواجه تهديدات حقيقية بسبب سياسات خصمه، ويتهمه بإذلال المؤسسات لخدمة مصالحه الشخصية. يركز برنامجه الانتخابي على تعزيز المؤسسات الديمقراطية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
التحديات التي تواجه الرئيس الجديد
سيواجه الرئيس الجديد لجمهورية صرب البوسنة تحديات كبيرة، بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية في صربسكا. أولاً، سيتولى منصبه لفترة محدودة، عام واحد فقط، مما قد يحد من قدرته على تنفيذ إصلاحات جذرية. ثانيًا، صلاحياته محدودة في غياب أغلبية برلمانية قوية.
علاوة على ذلك، يجب على الرئيس الجديد التعامل مع التوترات العرقية والسياسية المستمرة في البوسنة والهرسك، ومع الضغوط الخارجية من القوى الإقليمية والدولية. كما أن الوضع الاقتصادي الهش في صربسكا يتطلب جهودًا مضاعفة لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل. الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي هما التحديان الأكبر اللذان يواجهان القيادة الجديدة.
نظرة على مستقبل صربسكا
يرى المحلل السياسي سليبودان سويا أن السياسة المحلية في صربسكا “معادية للشعب وأنانية وغير مسؤولة”، مؤكدًا أنه لا يوجد فرق أيديولوجي كبير بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة. ومع ذلك، يظل ميلوراد دوديك لاعبًا سياسيًا مؤثرًا، ويعتقد سويا أن نفوذه سيزداد مع مرور الوقت بفضل قيادته لحزبه، حتى مع تقييد بعض صلاحياته.
من الواضح أن مستقبل صربسكا يعتمد بشكل كبير على نتائج هذه الانتخابات في البوسنة. سواء فاز المرشح المدعوم من دوديك أو مرشح المعارضة، فإن التحديات ستظل قائمة. يتطلب تحقيق الاستقرار والازدهار في صربسكا حوارًا بناءً بين جميع الأطراف السياسية، والتزامًا حقيقيًا بالإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية، والتعاون مع المجتمع الدولي. الوضع يتطلب قيادة حكيمة ورؤية واضحة لمستقبل أفضل للجميع.
الخلاصة
تعتبر انتخابات صربسكا حدثًا بالغ الأهمية ليس فقط لسكان الكيان، بل للمنطقة بأكملها. إنها فرصة لإعادة تقييم المسار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لصربسكا، واتخاذ خطوات نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. نتائج هذه الانتخابات ستحدد إلى حد كبير شكل العلاقة بين صربسكا وبقية البوسنة والهرسك، وكذلك موقفها من القوى الإقليمية والدولية. من الضروري متابعة هذه الانتخابات وتحليل نتائجها بعناية لفهم التطورات المستقبلية في البوسنة والهرسك.



