في ظل أزمة كهرباء خانقة يعاني منها لبنان منذ سنوات، شهدت نهاية العام 2025 تطوراً إيجابياً بفضل توقيع مذكرة تفاهم مع مصر في مجال الغاز الطبيعي. هذه الخطوة تأتي كجزء من جهود حثيثة تبذلها الحكومة اللبنانية لإيجاد حلول مستدامة لتأمين الطاقة، وتقليل الاعتماد على مصادر الوقود التقليدية باهظة الثمن. يهدف الاتفاق إلى استيراد الغاز الطبيعي من مصر، مما يمثل نقلة نوعية في قطاع الطاقة اللبناني.
مذكرة التفاهم بين لبنان ومصر: بداية لحل أزمة الكهرباء؟
وقّع كل من وزير الطاقة اللبناني، جو صدي، ووزير البترول والثروة المعدنية المصري، المهندس كريم بدوي، مذكرة التفاهم بحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني، نواف سلام، والسفير المصري في لبنان، علاء موسى، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين من كلا البلدين. تعتبر هذه المذكرة بمثابة إطار عمل للتعاون المستقبلي في مجال الغاز، وتحديد الآليات والخطوات اللازمة لتوريد الغاز المصري إلى لبنان.
التحول التدريجي نحو الغاز الطبيعي: رؤية لبنان المستقبلية
أعلن وزير الطاقة اللبناني، جو صدي، بعد توقيع المذكرة، عن قرار لبنان بالانتقال التدريجي من استخدام الفيول إلى الغاز الطبيعي في قطاع الطاقة. وأوضح أن الغاز الطبيعي يعتبر خياراً أرخص وأكثر صداقة للبيئة من الفيول، كما أنه سيساهم في التخلص من التعقيدات المرتبطة بمناقصات الفيول. هذا التحول يمثل جزءاً من استراتيجية أوسع لتنويع مصادر الطاقة في لبنان، وتقليل التلوث الناتج عن حرق الوقود الأحفوري.
تقييم خطوط الأنابيب: التحديات والحلول
أشار الوزير صدي إلى أن لبنان قد تسلّم تقريراً من لجنة فنية أرسلتها الأردن، والتي قامت بدراسة وضع خطوط الأنابيب القائمة. تضمن التقرير تقييماً لخط الأنابيب الذي يمتد من العقبة مروراً بسوريا، بالإضافة إلى خط أنابيب آخر يغذي معمل دير عمار. أظهر التقييم أن تكلفة إعادة تأهيل الجزء اللبناني من خط الأنابيب ليست كبيرة، وأن العمل يمكن أن ينجز في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر. كما يجري تقييم مماثل من الجانب السوري.
تنويع مصادر الغاز: شراكات جديدة وآفاق واعدة
لا يقتصر التعاون مع مصر على استيراد الغاز فحسب، بل يسعى لبنان أيضاً إلى تنويع مصادر الغاز بشكل أوسع. أكد وزير الطاقة أن لبنان يعمل مع الدول الخليجية ومع مؤسسة التمويل الدولية لإنشاء محطات جديدة تعمل بالغاز، بالإضافة إلى إنشاء محطة لتغويز الغاز الطبيعي. يهدف هذا التنويع إلى تأمين إمدادات مستقرة من الغاز، وتقليل الاعتماد على مصدر واحد. كما يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة في قطاع الطاقة اللبناني.
دعم مصر وتقنياتها: شراكة استراتيجية
أعرب الرئيس اللبناني، جوزاف عون، عن تقديره العميق للدعم الذي تقدمه مصر للبنان، بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. واعتبر توقيع مذكرة التفاهم خطوة عملية وأساسية لتأمين الطاقة الكهربائية للمواطنين والمقيمين، وتقليل ساعات التقنين. أكد وزير البترول المصري، المهندس كريم بدوي، أن مصر ستوفر كل الدعم للبنان في مجال الطاقة، من خلال الخبرات والإمكانات المصرية، خاصة في مجالات استكشاف وإنتاج ونقل وتوزيع الغاز. كما سيتم إنشاء مجموعات عمل مشتركة لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات. التعاون الإقليمي في مجال الطاقة يمثل عنصراً أساسياً لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
الخطوات القادمة: نحو تفعيل الاتفاق
على الرغم من أن مذكرة التفاهم تمثل خطوة مهمة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها لتفعيل الاتفاق بشكل كامل. يتطلب ذلك إعادة تأهيل خطوط الأنابيب القائمة، والتفاوض مع سوريا والأردن بشأن عبور الغاز، وتأمين التمويل اللازم لإعادة التأهيل. كما يجب تحديد تفاصيل التعاقد والسعر مع الجانب المصري في الأسابيع القادمة. أمن الطاقة في لبنان يعتمد على تضافر الجهود الإقليمية والدولية.
مستقبل الطاقة في لبنان: آمال وتحديات
يمثل توقيع مذكرة التفاهم مع مصر بارقة أمل في حل أزمة الكهرباء المستمرة في لبنان. التحول نحو الغاز الطبيعي سيساهم في خفض التكاليف، وتحسين جودة الهواء، وتوفير إمدادات أكثر استقراراً من الطاقة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع الطاقة اللبناني، بما في ذلك تهالك البنية التحتية، والديون المتراكمة، والفساد المستشري. يتطلب تحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة إصلاحات هيكلية شاملة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. الاستثمار في الطاقة المتجددة يمثل جزءاً مهماً من رؤية لبنان المستقبلية.
في الختام، تعتبر مذكرة التفاهم مع مصر خطوة إيجابية نحو حل أزمة الكهرباء في لبنان، ولكنها ليست سوى بداية الطريق. يتطلب تحقيق الاستقرار في قطاع الطاقة جهوداً متواصلة، وتعاوناً إقليمياً ودولياً، وإصلاحات هيكلية شاملة. نتمنى أن تحمل السنة الجديدة خيراً وسلاماً وتقدماً للبنان ومصر، وأن تشهد المنطقة تعاوناً أكبر في مجال الطاقة.


