يعد المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، قائداً استثنائياً استشرف مستقبل دبي، وقاد مسيرة التخطيط والبناء في الإمارة بنظرة ثاقبة، ووضع اللبنة الأولى في بناء نهضتها، ورسم خريطة طريق تميز الإمارة.

وريادتها العالمية التي هي عليها الآن، ورائداً من رواد وحدة الإمارات، وبناء حضارتها، وأحد العظماء، الذين أسسوا مسيرة التطور والتقدم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ترك وراءه إرثاً عظيماً من الإنجازات والمكتسبات، وبصمات جلية في خدمة الوطن والمواطن ستبقى خالدة في وجدان أبناء الإمارات.

وتصادف غداً، الذكرى 33 لوفاة المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، الذي انتقل إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990 الموافق الـ 18 من شهر ربيع الأول عام 1411هـ عن عمر ناهز 78 عاماً، قضاها، رحمه الله، في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه، وبذل خلالها كل ما يملك من طاقة في سبيل تحقيق مسيرة الخير والنماء.

نشأة

ولد المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، في إمارة دبي عام 1912، ونشأ في بيت والده الشيخ سعيد، الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، ونشأ، طيب الله ثراه، في كنف والدته الشيخة حصة بنت المر، التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس، لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت بـ«أم دبي»، فتشرب سموه، منذ نعومة أظفاره في هذا البيت كل هذه الخصال الطيبة، والسجايا الحميدة المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية.

ومنذ صغره تميز بتواضعه ونباهته، ولين معشره ودماثة خلقه، فأحبه الجميع، وعرف عنه كذلك أنه كان شاباً مثابراً فضولياً في البحث والمعرفة والاطلاع، وكان مسكوناً بحب رياضة الصيد بالصقور، وركوب الهجن والخيل، والرماية، وتعلم مبادئ اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم على يد «المطاوعة»، إلى أن التحق بالمدرسة الأحمدية في ديرة، التي أسسها الشيخ محمد بن أحمد بن دلموك تاجر اللؤلؤ المعروف.

ولما بلغ الشيخ راشد، طيب الله ثراه، الـ 18 من العمر دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، ونهل من خبرته الطويلة، ومن سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، إذ اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه، وكان يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، مما وطد العلاقة بينهما، وأغنى حواراتهما، وأدى إلى تعزيز الأثر الكبير، الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب.

قيادة

وتزخر مسيرة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بمحطات مهمة في تاريخ بناء دولة الإمارات، ممهورة بإنجازات نوعية في التطوير والبناء، تعكس أهمية الدور، الذي قامت به قيادات الرعيل الأول في الدولة، الذين كانوا يصِلون الليل بالنهار لرفعة هذا الوطن المعطاء.

ويعد الشيخ راشد، رائد البناء الأول، إذ ركز، رحمه الله، على بناء الإنسان، والاستثمار في قدراته، وخدمة شعبه ووطنه، وتحقيق الخير والرخاء له، واستغلال جميع الإمكانات والفرص المتاحة له، من أجل التخطيط لحاضر ومستقبل الإمارة، التي باتت مدينة عالمية يشار لها بالبنان.

وأصبحت محط أنظار واهتمام رواد الأعمال والمتميزين في مختلف القطاعات، فقد كان الشيخ راشد عاشقاً لإمارة دبي، مخلصاً للاتحاد، رحل بهدوء وترك وراءه إرثاً كبيراً، من خلال مسيرة عامرة بالإنجازات والمكتسبات، كانت ولا تزال بصمة مضيئة في تاريخ الإمارات في مختلف المجالات، وركيزة أساسية وخريطة طريق نحو مسيرة تميز إمارة دبي وريادتها العالمية.

وكان الشيخ راشد بن سعيد عوناً لأبيه في شتى المجالات، وخصوصاً في الشؤون الاقتصادية، حيث أسهم في تحسين المعيشة، الأمر الذي أكسبه شعبية وحباً من المواطنين، وتولى، طيب الله ثراه، منصب ولي العهد في دبي من عام 1928، ومن المأثور عنه قوله: «ما هو مفيد للتجار مفيـد لدبي».

وفي 10 سبتمبر عام 1958 أسلم المغفور له، بإذن الله، الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الروح إلى بارئها، وشاع الحزن في دبي، وقد ملك الحزن قلب الشيخ راشد على رحيل والده، الذي ربطته به علاقة مميزة، وكان قريباً منه دوماً، وانتقل الحكم إلى الحاكم الجديد ولي العهد الشيخ راشد، طيب الله ثراه، في 4 أكتوبر من العام ذاته، واستمر في نهجه، الذي اتبعه منذ تعيينه ولياً للعهد في الإصلاح والتطوير وتحسين ظروف الحياة.

ريادة دبي

يمثل الشيخ راشد بن سعيد حجر الأساس في بناء دبي، إذ يتذكر الذين عاصروه واحتكوا به الجهد والنشاط والعزيمة والإصرار، التي امتاز بها، ونهجه في أن يجعل دبي رائدة في كل مجال عمراني وتنموي، والمكان الذي يحبه كل زائر وسائح وتاجر، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث الجميع من مختلف العالم يقصدون دبي ويحبون زيارتها، وكان يرتاد مجلسه المسائي في جميرا إلى جانب رواد المجلس، تجار من الخليج والهند وباكستان.

شكلت العفوية والبساطة أبرز سمات شخصية الشيخ راشد، التي امتاز بها عن كثير من الزعماء الآخرين، وكان بسيطاً في مأكله وملبسه ومركبه وقيامه وقعوده، وكان الأجانب يستغربون وجود قائد، له سمعته واسمه بهذه البساطة والعفوية، علاوة على ذلك كان صاحب رؤية ثاقبة أسهمت في رسم ملامح إمارة دبي الحديثة، وكانت اللبنة الأساسية في انتقال دبي إلى قلب المدن العالمية الأكثر تطوراً.

يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن والده قوله: «إنني أبني ميناء راشد، لأنه يمكن أن يأتي يوم لا تقدرون على بنائه»، لم يفكر أحد قبل والدي في تنفيذ مشروع كهذا، ولكن والدي فكر فيه، ونفذه فكيف اهتدى إليه؟! هذا السؤال لا أعرف جواباً مختصراً له، لكن لو حصرت إجابتي بكلمة واحدة لقلت إنها الرؤية».

نهج

حرص الشيخ راشد خلال فترة حكمه على العمل وفق نهج دقيق ومنظم ومتفرد، لمتابعة الأعمال والمشاريع، ضمن جدول يومي، حيث كان يقوم بجولتين في مدينة دبي يومياً يتابع فيهما المشاريع، ويتابع بنفسه أدق التفاصيل لأي مشروع قيد التنفيذ.

وكانت هذه الجولات فرصة للالتقاء بعامة الناس عن قرب، والاستماع إليهم وتلبية مطالبهم، وبعد عودته من جولاته اليومية كان يمضي كثيراً من الوقت في أعماله الرسمية، من خلال مجلسه الذي يتيح الفرصة للناس للالتقاء به، حيث يشاركهم قضاياهم، ويصغي لمطالبهم، ويعمل على تلبيتها.

وأولى الشيخ راشد، رحمه الله، مجلسه اهتماماً كبيراً، وحظي بإعجاب الجميع لما تحلى به من حلم وصبر، إذ كان يصغي لكل رأي أو مظلمة، ضامناً للجميع أفضل الحلول للقضايا والمشكلات وموفراً المساعدة لكل فرد، وكان المجلس يضم أشخاصاً من جنسيات متعددة، وفر لهم قاعدة للحوار البناء، ورجالاً يعتد برأيهم.

رؤية

امتلك الشيخ راشد بن سعيد رؤية استشرفت المستقبل والتخطيط له، أسهمت في بناء النهضة الشاملة للدولة، سواء كان ذلك بالنسبة لرقي وتطوير إمارة دبي، أو فيما يتعلق بالمسيرة الاتحادية، التي كان أحد أبرز أقطابها، وكان تخطيطه مثاراً للإعجاب والدهشة، وكان الشيخ راشد يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أية خطة من خطط التنمية بكل أشكالها.

إلا واختار لها الوقت المناسب، يشجع كل مجتهد ومخلص ومتفانٍ على مرأى ومسمع من الناس، مما أعطى المسؤولين حافزاً للمثابرة، والحماس في أداء المهام المنوطة بهم، فتمخض عن هذه الرؤية مسيرة تنموية متميزة تعد سر نجاح إمارة دبي وتألقها، فبفضل فكره المتوهج والطموح والمتجدد أضحت إمارة دبي دانة الدنيا، وارتبطت رحلة دبي نحو التطور والازدهار بعلاقة مميزة مع الشيخ راشد، الذي يعتبر إحدى العلامات القيادية الفارقة في التاريخ العربي.

الاتحاد

وكان اتحاد الإمارات لبنة من لبنات أفكار الشيخ راشد العظام، التي امتزجت بطموحات أخيه المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعملا يداً بيد في بناء الدولة، وتدعيم الاتحاد، ودفع عجلة التقدم والتنمية، وتحقيق الرخاء للمواطنين، وتحقيق حلم الاتحاد.

ويعد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، من الشخصيات المؤثرة في دولة الإمارات، إذ توافقت رؤيته مع رؤية إخوانه حكام الإمارات، في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات، التي تجمعها سمات مشتركة، تمثلت بوحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل مع رفيق دربه، المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانهما حكام الإمارات على تأسيس الدولة، وفي الـ 10 من يوليو 1971 وجه الشيخ راشد دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971.

حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء. وتم تسخير الإمكانات جميعها لبناء الدولة وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها بتعاون صادق وعزيمة قوية في مسيرة البناء والتنمية، فعم الخير أرجاء الإمارات كافة، وساندهم في ذلك شعب مخلص وثق بقيادته الحكيمة، وإخلاصها ورؤاها الثاقبة.

مواقف وطنية

أسهم الشيخ راشد بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء في التطوير العمراني والنهضة الشاملة، التي شهدتها الدولة في بداياتها من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وحرص على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى.

ودعا إلى إنشاء مجلس يضم دول الخليج العربي، وحرص الشيخ راشد على مصالح الإمارات وقضايا أمته العربية والإسلامية إيماناً منه بعدالة قضاياها. وكان سباقاً لفعل الخير، حيث كانت الأعمال الإنسانية حاضرة في فكره ونهجه، ويسجل التاريخ العديد من الأعمال الإنسانية، التي قام بها الشيخ راشد بن سعيد، كما رعى المغفور له، بإذن الله، العديد من المشاريع الخيرية.

مدرسة عريقة

ويعد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، شخصية ملهمة ومؤثرة، وأيقونة للمجد، وعنواناً للنجاح، وقدوة عظيمة للأجيال، ومدرسة عريقة، يستلهم منها فنون التطوير والبناء، وترسيخ نهضة الوطن. قال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «قصتي»: «دروس راشد بن سعيد لا تنتهي.

كان مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع». وقال أيضاً في الكتاب: «تعلمت من راشد، منذ نعومة أظفاري، أن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً، والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة، تعلمت من راشد أن كل درهم في دبي له قيمة كبرى، ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم، التي رسخها راشد بن سعيد هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة، والابتعاد عن التبذير الحكومي، أياً كان شكله».

وذكر سموه في تغريدة سابقة، عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»: «في مثل هذا اليوم، السابع من أكتوبر 1990، رحل راشد بن سعيد آل مكتوم.. رحل عن دبي والدها ومهندسها.. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، لم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل.. أصعب رحيل، هو رحيل الوالد.. يجعلك يتيماً.. لأنه كان سبباً في وجودك.. في حياتك.. في نجاحك.. سبباً في وجود وطنك».

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.