القدس المحتلة- اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنذ اعتلائه كرسي رئاسة الوزراء عام 2009، على خوض جولات قتالية محصورة لأيام على جبهة قطاع غزة. فيما واجه التوتر على جبهتي سوريا ولبنان عبر احتواء التصعيد والامتناع عن الدخول في حرب شاملة، حفاظا على كرسيه وخوفا من الفشل في الحسم.

وفي اليوم الـ11 للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وقبيل التوغل البري الذي تخطط له حكومة نتنياهو في قطاع غزة، منحت وسائل الإعلام والصحف العبرية مساحة واسعة لكتاب المقالات والمحللين السياسيين والعسكريين، للحديث حول رغبة نتنياهو في حرب شاملة مع غزة، ومدى نجاحه فيما وصفوه بـ”امتحان” هذه الحرب التي تهرّب من خوضها دوما.

مواجهة شاملة

ونتنياهو الذي اعتاد ترحيل الصراع ورفض أي تسوية سياسية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال بموجب القرارات الدولية وحل الدولتين، وتمادى في إدارة الأزمة سواء في قطاع غزة المحاصر أو الضفة الغربية المحتلة، وجد نفسه في حالة حرب ومواجهة شاملة بعد معركة “طوفان الأقصى”.

ورغم الانتكاسة الإسرائيلية في “طوفان الأقصى” والفشل في تقدير سيناريو الهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة”، واختراق “كتائب القسام” المستوطنات الإسرائيلية، يمتنع نتنياهو عن تحمّل المسؤولية، ويصرّ على التمسك بكرسي رئاسة الوزراء رغم اعتراف رئيس جهاز “الشاباك”، رونين بار، بالفشل الاستخباراتي وتحمّل المسؤولية.

وقد سبق بار في هذا الاعتراف رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، الذي قال “لقد تلقينا ضربة موجعة وأنا أتحمل المسؤولية”، وهي ما قُرئت كاستعداد للاستقالة بعد انتهاء الحرب.

تردد وخوف

ويعكس نهج ترحيل الصراع والجولات القتالية القصيرة الذي اعتاده نتنياهو، حالة التردد والخوف والخشية من المجازفة والامتناع عن خوض معارك قتالية طويلة الأمد، وفقا لمحللين إسرائيليين.

وعاش نتنياهو خلال الجولات القتالية السابقة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، هواجس من أن تتحول إلى مواجهات عسكرية شاملة، وامتنع كذلك عن الاجتياح البري لقطاع غزة رغم توصيات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

ودائما ما بحث عن “صورة انتصار” حتى وإن كانت وهمية، وكان جل اهتمامه في كيفية تحصين مكانته والبقاء في سدة الحكم.

في نهاية مارس/آذار 2009، عاد نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء بعد نحو عقد من الزمن. وكان أحد التغييرات الرئيسية التي أحدثتها حكوماته منذ ذلك الحين، تطبيق سياسة “فرّق تسُد” بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

وهي سياسة مخالفة لنهج حكومة سلفه إيهود أولمرت التي سعت لإضعاف حماس بغزة وتعزيز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بحسب قراءة المحلل السياسي الإسرائيلي آفي يسخروف.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يتفقد قائدة سلاح الجو الإسرائيلي بالجنوب خلال شن غارات على قطاع غزة (الجزيرة)

تنازلات

وأوضح يسخروف أن نتنياهو، وخلال سنوات حكمه كلها، امتنع عن أي مواجهة شاملة مع حركة حماس في غزة، واعتاد على سياسة إدارة الأزمة والحفاظ على الأمر الواقع. وبعد صفقة تبادل الأسرى عام 2011 (وفاء الأحرار)، “قدّم نتنياهو التسهيلات وحتى التنازلات الاقتصادية والتجارية والتصاريح للعمال من غزة”.

وقال إن نتنياهو الذي بدا دائما مترددا من خوض حرب طويلة الأمد، سعى لضمان الهدوء على جبهة غزة رغم تقديرات الأجهزة الأمنية أن حماس تعارض ولن تقبل بذلك.

وفي المقابل، يقول يسخروف، إن نتنياهو اعتاد على وأد أي مسار أو مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين ليجد نفسه في دوامة الحرب.

“طريق غير واضح”

وبشأن تعامل نتنياهو مع سيناريو تتطور فيه الحرب على غزة، كتب المحلل العسكري عاموس هرئيل مقالا في صحيفة “هآرتس” بعنوان “في إسرائيل يتحدثون عن إخضاع حماس وهزيمتها، لكن الطريق لتحقيق ذلك لا يزال غير واضح”.

وأشار هرئيل إلى نهج التردد والغموض الذي سلكه نتنياهو بجولات قتالية سابقة والتلميح باحتمال الرسوب بامتحان “الحرب الشاملة”.

وقال المحلل العسكري “في الماضي، لم يكن نتنياهو في عجلة من أمره للمخاطرة بالدخول البري إلى غزة، ولكن هذه المرة قد لا يكون لديه خيار آخر وخاصة مع الدعم من الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن الجولات القتالية السابقة تختلف كليا عن الحرب الدائرة حاليا على جبهة غزة ولا يمكن لأحد أن يعلم كيف ستتدحرج الأحداث وتتطور المعارك خلال الاجتياح البري”.

وأضاف أن “الضربة التي تلقتها إسرائيل بالهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، موجعة للغاية، والتوقعات التي عززتها القيادة السياسية والعسكرية لدى الجمهور الإسرائيلي من الحرب على غزة عالية، لدرجة أن المسار الهجومي المحدود قد يثير ردود فعل قوية بالرأي العام بإسرائيل، رغم المخاوف من سقوط كثير من الضحايا في هجوم بري”.

حملة من أجل خلاصه

أما الكاتب الإسرائيلي نحميا شترسلر، فاعتبر أن نتنياهو يتحمل كامل المسؤولية، حيث فشل في مواجهة حماس وعجز عن تقويض قوتها سياسيا وعسكريا، و”رافقته دائما هواجس حرب طويلة الأمد عندما كان الثمن هو مستقبله السياسي وكرسي رئاسة الوزراء”.

ورفضا لتحمله أي مسؤولية وبحثا عن طوق نجاة، أوضح شترسلر أن نتنياهو ومنذ اليوم الأول للحرب بدأ مهمة إنقاذ نفسه، حيث سارع هو ومن حوله في حزب الليكود إلى إلقاء مسؤولية أحداث ما بات يوصف بـ”السبت الأسود” على الجيش والاستخبارات العسكرية والشاباك و”الفوضويين” من الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية.

ويضيف “من الواضح أن نتنياهو غير قادر على خوض الحرب، وفي حال أدارها لن تكون ضد حماس، بل ستكون حملة من أجل خلاصه الشخصي والحفاظ على منصبه والبقاء على كرسي رئاسة الوزراء، فكل التحركات الحربية والاتصالات السياسية تسعى إلى هدف واحد فقط؛ هو بقاؤه في السلطة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.