شمال سوريا- أعادت الدعوى التي تقدّمت بها كل من كندا وهولندا، ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية، تسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان في سوريا، والانتهاكات التي وثّقتها تقارير حقوقية بحق الآلاف من السوريين منذ مارس/آذار 2011، في وقت تَسارع فيه التطبيع مع نظام الأسد الذي حظي أخيرا بعودته إلى جامعة الدول العربية.

والدعوى التي أعلنت عنها محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس الاثنين، تُركز بشكل خاص على التعذيب والقمع في السجون السورية، حيث تتهم كندا وهولندا النظام السوري بارتكاب “انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداء من عام 2011 على الأقل، بقمعه العنيف للمظاهرات المدنية”.

كما تشمل الانتهاكات التي ذكرتها الدعوى “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.

ولم تغفل الدعوى عن الإشارة إلى الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا بوصفها “ممارسات بغيضة” تهدف إلى تخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم “مما أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة”.

لكن اللافت في سياق الدعوى الهولندية الكندية هو مطالبة المحكمة باتخاذ تدابير طارئة من شأنها حماية السوريين المعرضين لخطر التعذيب في سجون النظام السوري، ريثما يتم البت في القضية المقدمة.

كيف وصلت القضية إلى لاهاي؟

يوضح المحامي السوري البريطاني إبراهيم العلبي، وهو عضو في فريق المستشارين للخارجية الهولندية، أن كندا وهولندا قامتا بشكل متتال منذ 2020 بتفعيل مسؤولية سوريا من خلال اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984.

وأوضح العلبي -في حديث للجزيرة نت- أن وصول الدعوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي يأتي في أعقاب مفاوضات فاشلة لإنهاء خروقات الاتفاقية من قبل سوريا، تبعها مقترح للتحكيم وفشل أيضاً، لينتهي المسار بإعلان الدعوى أخيرا ضد دمشق.

واعتبر أن تركيز الدعوى على مسألة التعذيب في سوريا لكون الأخيرة وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب، وهذه هي المساحة القانونية المتاحة للدعوى ومسارها الطبيعي.

وحول مسألة التدابير الطارئة التي طالبت بها كندا وهولندا بشأن إعطاء أمر لحماية المعتقلين السوريين من التعذيب، أكد العلبي أن دمشق ملزمة بهذا الأمر وبالاتفاقية قانونا، بغض النظر عن موقفها الفعلي.

وأعرب الحقوقي السوري عن اعتقاده أن تحريك الدعوى يضع ملف التعذيب في سوريا أمام أهم محكمة دولية يطلق عليها اسم “محكمة العالم” المكونة من 15 قاضيا، ويعيد التركيز على هذا الملف المغيب لينتقل من حالة التقارير الدولية إلى أعلى سلطة أممية.

ما سيناريوهات الدعوى؟

قد تطول المراحل في مسار الدعوى المقدمة ضد نظام بشار الأسد بسبب البيروقراطية في مسألة إصدار الحكم، وفق مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، ورغم ذلك قال إنها “خطوة بالاتجاه الصحيح في مسار محاسبة النظام السوري”.

ولفت عبد الغني -في حديث للجزيرة نت- إلى أن المأمول من محكمة العدل الدولية أن تصدر حكمها ضد الدولة السورية التي يمثلها نظام الأسد، حيث يعتبر ذلك إدانة صريحة للنظام، ويشكل عقبة أساسية أمامه في مجال التطبيع السياسي.

ومن وجهة نظر مدير الشبكة الحقوقية، تبدو هذه المحاكمة أهم من كل المحاكمات الأوروبية التي تمت لمسؤولين سابقين بالنظام السوري، مرجحا أن تدين محكمة العدل هذا النظام بالتهم الموجهة في الدعوى.

بينما يرسم مؤسس رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في سوريا، دياب سرية، سيناريو لمسار الدعوى تقوم فيه كندا وهولندا بتقديم ملف مدعوم بشهادات وأدلة إلى المحكمة عن عدم التزام النظام السوري باتفاقية مناهضة التعذيب، قبل أن تطالب بتعويض الضحايا ووقف التعذيب وإلزام نظام الأسد بالاتفاقية، وإنشاء آلية لمراقبة للسجون في سوريا.

ورجّح سرية -في حديث للجزيرة نت- ألا يلتزم النظام السوري بأي قرار تصدره المحكمة بشأن مناهضة التعذيب والمعتقلين، لافتا إلى أن القضية تذكير للعالم بحقيقة جرائم التعذيب والإخفاء القسري واعتقال أصحاب الرأي التي حدثت في هذا البلد منذ 2011.

سِجل حافل بالجرائم الموثقة

ووثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مقتل 306 آلاف و887 مدنيا في سوريا منذ بداية الثورة في مارس/آذار 2011، وفق تقرير صدر في يونيو/حزيران 2022.

وأظهر التقرير أن السبب الرئيس في سقوط قتلى من المدنيين كان استخدام “الأسلحة المتعددة” التي شملت اشتباكات وكمائن ومذابح، إذ شكل هذا السبب 35.1% من الضحايا، أما السبب الثاني فكان استخدام الأسلحة الثقيلة وجاء بنسبة 23.3%.

في حين قُتل 14 ألفا و537 سوريا تحت التعذيب بين مارس/آذار 2011 وعام 2021، على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا، بحسب تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” صدر العام الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.

ووفق التقرير، فإن النظام السوري كان مسؤولا عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%، إذ قُتل على يده 14 ألفا و338، من بينهم 173 طفلا و74 سيدة.

وتقول الشبكة السورية إن أعداد المعتقلين لدى النظام السوري تجاوزت 135 ألف شخص منذ عام 2011 حتى أغسطس/آب 2022، بينهم نحو 112 ألف حالة اختفاء قسري.

ويمتلك النظام السوري سجلا حافلا بالهجمات الكيميائية على المدنيين في مناطق المعارضة، والتي أزهقت أرواح المئات منهم اختناقا بالغازات السامة، وهي هجمات توزّعت على الجغرافية السورية وجاءت في أوقات زمنية مختلفة ترتبط بأحداث عسكرية واقتحام مدن وقرى.

وفي إدانة صريحة، حمّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري، في يناير/كانون الثاني الماضي، مسؤولية الهجوم بغاز الكلور على مبان سكنية بمدينة دوما التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة عام 2018 مما أسفر عن مقتل 43 شخصا.

ولا يزال سوريون فقدوا ذويهم في الحرب يبحثون حتى اليوم في نحو 55 ألف صورة سرّبها العسكري السوري المنشق عن النظام الملقب بـ “قيصر” حيث أظهرت الصور مشاهد مروعة لضحايا التعذيب في السجون والمعتقلات السرية التي يشرف عليها نظام الأسد.

ومن جانبها أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش صحة الصور التي قدمها “قيصر” والمتعلقة بوفاة 6786 شخصا داخل المعتقلات السورية، ووثقت للضحايا من خلال صور “قيصر” وتوصلت إلى الجهات المسؤولة عن تعذيبهم وقتلهم.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.