واشنطن– فوجئت الدوائر الأميركية بسقوط 3 جنود قتلى، وإصابة 40 آخرين في هجوم بالطائرات المسيرة على قاعدة “برج 22” في أقصى شمال شرق الأردن الأحد الماضي.

وأشارت تقارير إلى أن توقيت الهجوم جاء مباغتا أثناء نوم أغلب أفراد القاعدة، ودون أي سابق إنذار، حيث تزامن وصول الطائرات المهاجمة مع عودة طائرة مسيرة أميركية من مهمة مراقبة، ونتيجة لذلك أوقف تشغيل نظام الدفاع الجوي.

وقال مسؤول عسكري أميركي، أمس الاثنين، إن الولايات المتحدة لم تجِد بعد أدلة على أن إيران وجّهت هجوم الأحد في الأردن، لكن طهران توفر الأسلحة والتدريب والتمويل للجماعات التي تهاجم القوات الأميركية انطلاقا من العراق أو سوريا.

كذلك أكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أنه “من الواضح أن هناك مسؤولية يجب وضعها على عاتق المسؤولين الإيرانيين”.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم استخدموا قنوات خلفية لإبلاغ إيران ووكلائها بأن الهجمات على القوات الأميركية يجب أن تتوقف. ومع ذلك، يبدو أن هذه الجهود لم تفعل شيئا يذكر لمنع الهجمات، ويخشى المسؤولون داخل البيت الأبيض منذ فترة طويلة أن تؤدي إحدى الهجمات في النهاية إلى سقوط قتلى.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات كثير من قادة الحزب الجمهوري مطالبين الرئيس الأميركي جو بايدن بالانتقام، وضرورة شن هجمات على الداخل الإيراني، يتساءل آخرون عما إذا كانت هذه الهجمات تعكس إخفاقا استخباراتيا أميركيا جديدا.

“ليس إنجازا”

وفي حديث للجزيرة نت، قال الأستاذ بقسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا جوناثان أكوف “إن هجوم الأردن لا يعكس إخفاقا استخباراتيا، لقد كان هناك أكثر من 150 هجوما على القوات الأميركية في المنطقة منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل”.

واتهم أكوف فصائل قريبة من إيران “في الانخراط بسلسلة متقطعة من هذه الهجمات، طالما كانت هناك قوات أميركية في المنطقة”. وعدّ أنه “ليس سرا أن أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت مدركة بشكل جيد لقدرات هذه “الميلشيات”، على حد وصفه.

وقال “إذا هاجمت الميليشيات والإرهابيون أهدافا 150 مرة، فإن ذلك يزيد من احتمال وقوع هجوم واحد يؤدي إلى سقوط ضحايا أميركيين، وهذا ما حدث بالفعل”.

واتفق خبير الشؤون الاستخباراتية والأمنية بجامعة كارولينا الساحلية البروفيسور جوزيف فيتساناكيس، مع الطرح السابق. وأكد أن “مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة في الأردن أمس الأول ليس إخفاقا استخباراتيا؛ بل كانت هناك هجمات يومية على القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لذلك كان احتمال وقوع وفيات متوقعا دائما ومتوقعا بالفعل”.

خيارات بايدن

وفي حديث للجزيرة نت، قال البروفيسور فيتساناكيس إن “الرئيس بايدن قد أُخبر من قبل في الإحاطة الاستخبارية اليومية، حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن وقوع ضحايا بين القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط هو شيء شبه مؤكد. من هنا توقّع الرئيس بايدن والبيت الأبيض هذا الاحتمال”.

وذكر البروفيسور فيتساناكيس أن “السؤال المهم الآن هو: أي الخيارات الممكنة المتاحة سيختارها الرئيس بايدن؟ وتتراوح هذه البدائل بين العمل السري ضد المصالح الإيرانية في المنطقة، أو استهداف منشأة تدعمها إيران في الخارج (ربما في العراق أو سوريا ولبنان)، وصولا إلى هجوم مباشر على الأراضي الإيرانية”.

ونبّه إلى أن الخيار الأخير غير مرجح، حيث لا طهران ولا واشنطن تريدان التورط في مواجهة طويلة مع بعضهما بعضا. “ومع ذلك، فقد اندلعت العديد من الحروب في التاريخ بين خصمين لم تكن لديهما أي رغبة في التورط في مواجهة عسكرية”.

وأشار إلى أن “هذه اللحظة هي ربما تكون الأكثر توترا منذ مقتل اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني 2020”. وختم الخبير الأمني بالقول “يمكن أن يحدث أي شيء في الأيام المقبلة”.

ودفع مقتل الجنود الثلاثة إلى تعقيد الموقف الأميركي مع توسع ساحات المواجهة الجارية في قطاع غزة، وعدم اقتصارها على العدوان الإسرائيلي على القطاع، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن، بالتعاون مع مصر وقطر، على الدفع تجاه صفقة جديدة تسمح بتأمين إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة، مقابل وقف طويل الأمد للعدوان.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوتر والمواجهات في جنوب البحر الأحمر مع استمرار تهديد جماعة الحوثيين اليمنية للملاحة البحرية، يضع إدارة بايدن أمام مشهد أكثر تعقيدا، ويضاعف الضغوط عليها للانتقام من إيران وحلفائها، وهو ما يمثل إخفاقا لها في نظر بعض المعلقين.

الإخفاق في إدارة الصراع

وعدّ وليام ويشسلر، نائب مساعد وزير الدفاع السابق للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، ومدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بواشنطن، أن إدارة بايدن “أخفقت لاعتقادها أنها تدير العلاقة مع إيران وحلفائها بصورة جيدة”.

وعلّق ويشسلر على هجوم الأردن بالقول “إنه لسنوات، وعبر إدارات متعددة، كان صانعو السياسة الأميركيون يميلون إلى الاعتقاد بأن التهديدات من إيران ووكلائها وشركائها تتم إدارتها بنجاح -خاصة التهديدات التي تشكّلها على القوات الأميركية في المنطقة- ومع مقتل الجنود الثلاثة، ثبت خطأ هذا الاعتقاد”.

وانتقد ويشسلر إدارة بايدن، وقال إنه “كان ينبغي للولايات المتحدة أن ترد بقوة أكبر في وقت سابق من دورة التصعيد، وسيتعين عليها القيام بذلك الآن. لكن يجب أن تضع واشنطن في اعتبارها الأهداف الإستراتيجية الأميركية للمنطقة، وأن تفهم في الوقت ذاته أهداف طهران”.

من ناحية أخرى، أشار ماثيو والين، الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، وهو مركز بحثي متخصص في الشؤون الدفاعية، إلى دهشته من وقوع الهجمات ضد القوات الأميركية في هذه المنطقة بالأردن.

وقال والين للجزيرة نت “كانت الهجمات تحدث بشكل متقطع لسنوات. ومع ذلك، فإن الأردن بلد آمن نسبيا للتمركز فيه. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن قُرب هذه القاعدة بالذات من الحدود العراقية، والقاعدة الأميركية في التنف بسوريا جعلها أقرب إلى الخطر، وهو ما لم يُؤخذ بجدية من القادة الأميركيين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.