واشنطن – قدمت قيادات لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي “قانون حماية الديمقراطية التونسية”، وهو تشريع يهدف لتعزيز المؤسسات الديمقراطية في تونس، والحد من تقديم المساعدات المالية حتى تستعيد تونس مسارها السياسي، ويأذن بإنشاء صندوق لدعم الإصلاحات الديمقراطية.

وتبنى مشروع القرار السيناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب مينينديز، والسيناتور الجمهوري من ولاية أيداهو ورئيس الأقلية باللجنة جيم ريش. وينتظر أن تصوت اللجنة غدا الأربعاء على مشروع القرار الذي تشير كل المؤشرات إلى عدم وجود معارضة له.

وجاء في مقدمة مشروع القرار أن “تونس خرجت من ثورة الياسمين والربيع العربي كمثال نادر على الديمقراطية الوليدة والمتطورة، ولسوء الحظ، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد العديد من الإجراءات الجذرية التي قوّضت المؤسسات الديمقراطية في تونس وعززت السلطة في يد الجهاز التنفيذي للدولة”.

كما أشار إلى أنه “على الرغم من التخفيضات التي أعلنتها إدارة بايدن في المساعدات، وقرض صندوق النقد الدولي المتعثر، وتهديدات الكونغرس باستكشاف المساعدة المشروطة، لم يغيّر الرئيس قيس سعيد مساره”، إلا أن هذا التشريع سيحدّ من تمويل وزارة الخارجية لتونس إلى أن ينهي الرئيس سعيد حالة الطوارئ.

ويوفر التشريع ـوفقا لمقدمته- حوافز اقتصادية حقيقية لإجراء إصلاحات ديمقراطية ذات مغزى، لافتا إلى أن تونس شريك قديم للولايات المتحدة، لكنها بحاجة إلى تغيير مسارها أو المخاطرة بمزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين.

تهديد الديمقراطية

وقال السيناتور مينينديز إن “الولايات المتحدة وتونس تشتركان في المصالح بشأن الاستقرار الإقليمي والفرص الاقتصادية، وأؤيد بقوة المساعدة الأميركية لتمكين التطلعات الديمقراطية والكرامة الاقتصادية للشعب التونسي”.

وأشار إلى أن هذا التشريع “يحافظ على المساعدات الإنسانية والاقتصادية للمجتمع المدني التونسي، مع توضيح خيارات الرئيس قيس سعيد، حيث يمكنه هو وحكومته إما إنهاء حالة الطوارئ وإعادة تونس إلى المسار الديمقراطي، وإما الوقوف في طريق دعم الولايات المتحدة للشعب والحكومة التونسيين”.

وتضمن مشروع القرار الإشارة إلى تعهدات الرئيس قيس سعيد بحرب لا هوادة فيها على شخصيات المعارضة، وسجن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، واحتجاز رئيس ائتلاف جبهة الإنقاذ الوطني نجيب الشابي، وإغلاق مكاتب حزب النهضة ومكاتب ائتلاف معارض أيديولوجي من عدة قوة سياسية.

وتطرّق مشروع القرار إلى مبادرة صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان الماضي بتجميد قرض لتونس بسبب سياسات قيس سعيد، مما اعتبره الرئيس التونسي إملاءات أجنبية، وشجب توصيات الصندوق بتخفيض الإعانات الحكومية باعتبارها مزعزعة للاستقرار الاجتماعي.

أهم المطالبات

وتتضمن أهم مطالبات التشريع الجديد خفض تمويل برامج المساعدات لتونس بنسبة 25%، بما في ذلك المساعدات الأمنية، حتى ينهي الرئيس سعيد حالة الطوارئ المعلنة في جميع أنحاء البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021، ويستثني من ذلك تمويل المجتمع المدني التونسي.

كما يخصص التشريع مبلغ 100 مليون دولار سنويا للأعوام المالية 2024-2025 لإنشاء صندوق دعم الديمقراطية في تونس، “لكن هذه الأموال لن تكون متاحة في هذا الصندوق حتى يشهد وزير الخارجية الأميركي بأن الحكومة التونسية قد أظهرت تقدما في المعايير الديمقراطية، بما في ذلك تمكين البرلمان، واستعادة استقلال القضاء، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، ووقف الاعتقالات التعسفية للصحفيين”.

Tunisian President Kais Saied

لم يفت الأوان

يجادل بعض المراقبين بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه تونس في هذه اللحظة الحرجة ستكون اختبارا حاسما لالتزام واشنطن بالقيم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واعتبر الخبيران بمعهد “بوركينجز” شادي حميد وشاران جريوال أن “الديمقراطية التونسية تحتضر”، ورأى الخبيران أن التراجع في المسار الديمقراطي التونسي دفع بتراجع تونس 50 مركزا في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود”.

وانتقد الخبيران ما اعتبراه ضوءا أخضر أميركيا تمثل في دعم حصول تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وهو القرض الذي جمّده الصندوق لاحقا، وقالا إن “الرئيس قيس سعيد يشعر بالجرأة لقمع المعارضين اليوم من خلال ما يعتبره ضوءا أخضر من الولايات المتحدة”.

وطالب الخبيران الإدارة الأميركية، إذا كانت جادة حقا في دعم الديمقراطيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأن ترسل إشارة ثابتة بأن هناك تكاليف للتراجع الديمقراطي ولتفكيك المؤسسات الديمقراطية.

موقف أميركي

من جهته، وفي حديث للجزيرة نت، أكد السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، أن “منتقدي الرئيس سعيد وسياساته في الكونغرس يبذلون قصارى جهدهم لتشديد موقف إدارة بايدن ضد الدكتاتور التونسي”.

وأضاف أن هناك مشاعر قوية تجمع بين الأعضاء البارزين من كلا الحزبين في مجلسي الكونغرس، وتتفق وجهة نظر إدارة بايدن مع وجهات نظرهم.

وأشار ماك إلى أنه “ولسوء الحظ يتضاءل نفوذ الولايات المتحدة على تونس بسبب موقف الحكومات الأوروبية التي تعطي أولوية كبرى لتمكين تونس من منع ارتفاع معدل الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط”.

وأوضح أن واشنطن تتفهم قلق الأوربيين لكنها لا تشاركهم هذه الأولوية، فضلا عن أن حجم التجارة والاستثمار بين أوروبا وتونس يقزم حجم العلاقات الاقتصادية الأميركية مع تونس، “والرئيس قيس سعيد يعرف كيف يستغل هذه الاختلافات؟”.

ومن جانبها، اعتبرت خبيرة شؤون شمال أفريقيا بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سابينا هينيبرغ أن هناك “تأثيرات من شركاء تونس العسكريين الدوليين، فالجيش الأميركي مقرب من قوات الأمن التونسية، ويُعتقد أنه مؤثر بشكل خاص، وسبق أن كافأ تونس بمنحها وضع حليف رئيسي من خارج حلف الناتو في عام 2015”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.