رام الله – من بعيد، يشير نواف زغلول (55 عاما) إلى مستوطنة “شيلو” التي لا يفصلها سوى الشارع الرئيسي عن قريته ترمسعيا التابعة لمحافظة رام الله، وبصوت يعلوه الحزن يقول “أتذكر تماما اليوم الذي بدؤوا فيه بناء هذه المستوطنة في سبعينيات القرن الماضي، كانت عبارة عن كرفانات فقط لمجموعة من المستوطنين قالوا إنهم ينقبون عن الآثار”.

الطريق نفسه الذي أشار إليه زغلول كان أحد المداخل الذي سلكته قطعان المستوطنين الذين اقتحموا القرية ظهر أمس الأربعاء بالعشرات وهاجموا منازل الأهالي وأحرقوا عددا منها وحطموا بعضها.

في حديثه للجزيرة نت، يقول زغلول “بدأت المستوطنة تكبر شيئا فشيئا، وأصبح سكانها يتجرؤون على أهالي القرية، إلى أن وصلنا اليوم إلى هذا الاعتداء الدموي”. يتحدث زغلول عن اعتداءات متواترة للمستوطنين في السنوات الأخيرة، ولكنه لم يشهد اعتداءات بحجم اعتداءات الأربعاء، حيث يصفها “بالحرب الحقيقية”.

 

وحسب رئيس بلدية ترمسعيا لافي أديب، فإن أكثر من 15 منزلا تضررت ما بين حرق وتحطيم، 6 منها لم يعد قابلا للسكن.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أديب “كان الاستهداف غير مسبوق ومنظما من قبل، ولم يكن مجرد ردة فعل مثلما يحاول الاحتلال تسويق ذلك”.

ووفقا للمسؤول الفلسطيني، فإن قوات الاحتلال لم توقف المستوطنين الذين تجاوزت أعدادهم 200 مستوطن، وبحجة إغلاق البلدة حفاظا على سلامة سكانها منعت مركبات الإطفاء والإسعاف من دخول البلدة لمساعدة السكان على إطفاء النيران وإنقاذ المصابين.

ساعة من الرعب

بالقرب من الطريق الذي وقفنا مع زغلول عليه مقابل المستوطنة، يقع منزل محمد حجاز الذي يسكنه مع نجله الأكبر بلال وأحفاده، وذلك خلال زيارتهم لفلسطين حيث يقيمون في الولايات المتحدة بشكل دائم.

ساعة من الرعب عاشتها الجدة مع الحفيد الأكبر (8 سنوات)، حيث كانا وحيدين في المنزل بعد خروج بلال وزوجته ونجله الأصغر.

هذه الساعة من الخوف عاشها بلال حجاز وهو يفكر في مصير والدته ونجله اللذين احتميا في غرفة منعزلة في البيت، بعيدا عن ألسنة النيران التي التهمت المنزل ومحتوياته.

“كان المنظر مرعبا، البيت يحاصره المستوطنون من كل الجهات، وأنا أحاول الاتصال بوالدتي ولا ترد، والنيران تشتعل في كل مكان”، هكذا يتذكر بلال لحظات الرعب خلال حديثه للجزيرة نت.

حاول بلال الوصول إلى المنزل من جميع الاتجاهات، غير أنه لم يستطع بسبب حصار المستوطنين الذين أجبروه على الابتعاد. وبعد إصرار تمكن من إيجاد طريقه إلى البيت، كان المستوطنون حينئذ قد انسحبوا من المكان.

فور خروج أمه ونجله والتأكد أنهما أصبحا بعيدين، تفقد بلال المنزل الذي التهمت النيران كل محتوياته، بالإضافة إلى تكسير النوافذ وخلع الأبواب، حتى الشجر لم يسلم من اعتداءات المستوطنين، لكن بلال يقول “نعم، الخسائر المادية كبيرة، ولكن المهم أن والدتي وولدي بخير، هذا الشيء الوحيد الذي فكرت فيه”.

الأكثر دموية

لم تكن القرية في السنوات الأخيرة بعيدة عن اعتداءات المستوطنين، ولكن اعتداء أمس الأربعاء هو الأعنف والأكثر دموية، وفقا للأهالي الذين أكدوا أن “كل عائلة تعرض منزلها للاعتداء كانت تعتقد أن مصيرها سيكون كعائلة دوابشة التي لم ينجو منها سوى طفل واحد عام 2015، بعد حرق مجموعة من المستوطنين منزلها في قرية دوما جنوب مدينة نابلس”.

هذه المخاوف عاشتها عائلة نعمان شلبي التي احتمت بالكامل في غرفة واحدة، إثر حصار بيتها من 30 مستوطنا حاولوا إحراق المنزل في وسط البلدة، بعدما أحرقوا 3 مركبات تملكها العائلة.

يقول نعمان شلبي إن 13 فردا من عائلته بينهم 9 أطفال اختبؤوا في الغرفة الخلفية للمنزل خلال الهجوم، بينما أحرق المستوطنون الغرف من الجهة الأمامية للمنزل والمخزن وتحطمت نوافذه بالكامل.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف شلبي أن المستوطنين “كانوا يحملون السلاح وقنابل يدوية بمجرد إطلاقها تشتعل النيران بشكل مخيف في المكان”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض منزل شلبي لاعتداءات من المستوطنين، فقبل عامين تعرضت مركبته للتحطيم، ولكن ليس بهذه الطريقة، ويلفت شلبي إلى ذلك بالقول “لم يجرؤ المستوطنون على الاقتراب سابقا من البلدة بوضح النهار، كانوا يتسللون ليلا وتقتصر الأضرار على حرق مركبات أو إعطابها”.

ورغم وحشية الاعتداءات التي تعرضت لها العائلات في البلدة من قبل المستوطنين، فإنهم يؤكدون تمسكهم بمنازلهم وعدم الانتقال منها، لكن ما يسعون إليه الآن هو تفعيل أكبر للجان الحماية الشعبية.

وهو ما أكده بلال حجاز، بقوله “سنعيد بناء المنزل من جديد، ولن نرحل عن أرضنا مهما كانت الاعتداءات”.

صورة 1_ فلسطين- رام الله- عزيزة نوفل-نعمان شلبي يتحدث عن حجم الخسائر في منزله بعد اعتداءات المستوطنين- الجزيرة نت
شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.